أكد علماء دين ودعاة أن «الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم يكون باتباع سنته بغير تردد ولا رد»، مشيرين إلى أن «حق رسول الله علينا أكبر من أن نستذكره يوماً فحسب، بل لابد من ذكره والعمل بهديه، كل ما يصبح علينا صباحٌ». وأضافوا أن «الفلاح والنجاح وسعادة الدارين في اقتفاء أثر النبي الكريم واتباع سنته والاقتداء به في أقواله وأفعاله وعدم الابتداع في دينه».
طاعة الرسول
من جهته، قال الشيخ خالد السعدون إنه «في ذكرى مولد الرسول محمد، لنحتفل كل يوم بمولده، لكن قبل أن نحتفل، لابد أن نعلم لماذا نحتفل؟ ولماذا كل هذا الحب لمحمد بن عبدالله؟ فهو النور كما قال المولى عزوجل في كتابه الحكيم: «قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبينٌ»، وكما قال في الحديث الشريف «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي، التي رأت أنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور الشام»».
وأوضح الشيخ السعدون أن «الرسول الكريم نور، والكتاب الذي نزل عليه نورٌ، والآخذ بهما يستنير له سبيله في الدنيا، وفي القبر تصير الظلمة عليه نوراً، والحفرة له جناناً، ويوم القيامة يكون الصراط سهلاً أميناً، بلا خدش وكدس أو كردسة في النيران، فهو الحبيب المشفق على حبيبه، قال الله تعالى في كتابه «لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤفٌ رحيمٌ»، وقد تلا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قول الله تعالى: «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم»، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد... فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك». ويوم القيامة ينتظرنا على حوضه داعياً ربه: «أمتي أمتي» لنشرب شربة لا نظمأ بعدها أبداً»».
وأشار الشيخ السعدون إلى أنه «حينما ينصب الصراط فوق جهنم للعبور إلى جنة عالية أو سقوط في أم هاوية، فيكون النبي أول من يعبره، فيقوم عليه بعدما يعبره، داعياً: «رب سلم سلم». ثم تتبعه أمته، «ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم»».
وذكر أن «المسلمين اليوم -حباً برسول الأمة- يحتفلون كل عام بمولده، ومولده يوم الإثنين، فقد: «سئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: ذاك يومٌ ولدت فيه، ويومٌ بعثت، أو أنزل علي فيه»، فمولده في مكة، عام الفيل، وهذا عليه إجماع، ولكنه قد وقع خلاف في تحديد اليوم، والمشهور عند الجمهور أنه ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، فالمسلمون قد اختلفوا في يوم ميلاده، ولكنهم متفقون على حبه، والقول الوسط حين وقوع الخلاف أن يؤخذ بالاتفاق، وينبذ الافتراق، فهم متفقون على حبه والتمسك بهديه، فحبه لابد أن يكون أكثر من النفس والمال والولد، وما على الأرض والبحر من مدد».
وبين الشيخ السعدون أن «الصحيح الذي لا خلاف معه قطعاً أن نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم يومياً، فمولده يوم الإثنين، وقد شرع لنا في هذا اليوم الصوم، فالرسول أولى بنا من أنفسنا، يقول الله تعالى «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم»، ولا ندخل الجنة إلا بحبه أكثر من النفس وما سواها، وروى البخاري عن عمر أنه قال: «يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي»».
وشدد الشيخ السعدون على أن «حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أن نستذكره يوماً فحسب، بل لابد من ذكره والعمل بهديه، كل ما يصبح علينا صباحٌ، وهذا والله لهو الفلاح».
وتحدث الشيخ السعدون عن «طريقة الاحتفال بمولد النبي الكريم»، موضحاً أن «الصحيح الذي فيه الخروج من خلاف العلماء الكبار المجتهدين، هو باتباعه صلى الله عليه وسلم بغير تردد ولا رد، وكما قال الحق تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً». واتباعه شرط وأمارة حب ربنا الرحمن: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيمٌ».
أخلاق النبي
من جهته، قال الشيخ بشير جويزي صالح إنه «عندما يأتي الحديث عن الرسول محمد بن عبدالله فإننا نتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يمتاز من جمال خلقه وكمال خلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، قال عنه البراء : «كان أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً»، وسئل أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر. وفي رواية كان وجهه مستديراً. وقالت الربيع بنت معوذ: «لو رأيته رأيت الشمس طالعة». وكان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا رأه يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
كضوء البدر زايله الظلام
وأضاف الشيخ بشير صالح «إن تحدثت عن كمال نفس الرسول ومكارم أخلاقه فلقد كان صلى الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان وبلاغة القول وكان من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل، سلامة طبع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخُص ببدائع الحكم، وكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه الله بها، وكان في صفة الجود والكرم ما لا يقادر قدره، وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وقال ابن عباس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»».
وتابع الشيخ بشير صالح «كان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يجهل، وكان أعدل الناس وأعفهم وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه ، وكان يسمى قبل نبوته بالأمين».
وأوضح أن «النبي محمد محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير، فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنياً عليه فقال: «وإنك لعلى خلق عظيم». وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب، وصيره قائداً تهوى إليه الأفئدة، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء، حتى دخلوا في دين الله أفواجا»، وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وخلص الشيخ بشير صالح إلى أن «الفلاح والنجاح وسعادة الدارين في اقتفاء أثر النبي الكريم واتباع سنته والاقتداء به في أقواله وأفعاله وعدم الابتداع في دينه، ولنعلم جميعاً أننا في أمس الحاجة -خاصة في هذا الزمان- إلى مراجعة أنفسنا في مسألة أداء حقه علينا صلى الله عليه وسلم بالاتباع والاقتداء والتخلق بأخلاقه، فالخير كل الخير في اتباع السنة ومجانبة البدعة».