كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
ندرة المياه واضمحلالها في عموم العالم العربي تدق ناقوس الخطر، ودول الخليج العربي وبينها البحرين ليست ببعيدة عن هذا الواقع، مياه الينابيع نضبت أو في طريقها إلى ذلك، وغزارة الأنهار تراجعت، وتدنى منسوب المياه الجوفية.
ولا تنحصر أضرار تراجع مناسيب المياه على كفايات مياه الشرب فقط، بل تنسحب على الأغراض الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية أيضاً، ما يضع معادلة الأمن الغذائي في الوطن العربي في دائرة الخطر.
ورغم أن الظاهرة ليست بمستجدة، ومضى عليها عقود، وحظيت بمئات الدراسات والندوات والفعاليات، خلصت إلى حزم واسعة من الحلول والتدابير، إلا أن هذه النتائج لم تأخذ طريقها إلى حيز التنفيذ وبقيت حبراً على ورق.
وفي ظل هذه الأوضاع اتجهت الدول الخليجية وبمقدمتها الإمارات والسعودية، إلى استثمار الأراضي الزراعية في السودان وأثيوبيا وكينيا، لتوفير حاجاتها من القمح والأرز والبقوليات.
أيام السقا
هذا الواقع يطرح سؤالاً في غاية الأهمية، هل عودة السقاي في مدن البحرين وقراها ودول الخليج العربي باتت وشيكة؟ ندرة المياه من مصادرها المتعددة، وزيادة معدلات استهلاكها وغياب سياسات ترشيدها، والاستغلال السيئ لمياه المطار، تسير بالمنطقة العربية نحو الجفاف والقحل.
دول مجلس التعاون من جانبها في بحث حثيث عن مصادر بديلة للمياه والحاصلات الزراعية والحيوانية، وباتت اليوم شغل المسؤولين الشاغل بالمنطقة الخليجية، وانتهت بإبرام عقود واتفاقات مع دول حوض النيل والقرن الأفريقي للاستثمار الزراعي والحيواني، باعتبارها الامتداد الجغرافي دول الخليج العربية، وسلة غذاء العالم وسوقها الواسع الكبير بما تحويه من ثروات مائية وزراعية ضخمة.
دول الخليج تتسابق نحو عقد الاتفاقات واستثمار المساحات لأغراض الزراعة وتربية الثروة الحيوانية وحتى السمكية، بغية مواجهة الخطر غير المعلن لنضوب المياه ومشكلة الأمن الغذائي.
المياه والأمن القومي
يقول المهندس سعود محمد الأحمدي، إن قضايا المياه باتت إحدى أهم القضايا المرتبطة بالأمن القومي للدول، لما لها من انعكاسات على مختلف جوانب النمو الاقتصادي والاجتماعي، وكانت دول الخليج من الدول السباقة في الاهتمام بهذه القضية الحيوية، من خلال عقد العديد من المؤتمرات والندوات للبحث عن حلول لأوضاع المياه في المنطقة، حيث يراها العديد ون دخلت في طور الأزمة.
وأضاف أن هذه المشكلة تستدعي تكثيف الجهود لإيجاد الحلول المناسبة لها، والبحث عن أسباب الأزمة وجذورها في دول الخليج العربية، حيث نجد أن ندرة موارد المياه العذبة السطحية والجوفية، أحد أهم هذه العوامل، وذلك بسبب عوامل الموقع والتكوين الجغرافي، فدول شبه الجزيرة العربية تقع في مناخ صحراوي شديد الجفاف والتصحر، ومن ثم تعد نسبة المياه المتوفرة من سقوط الأمطار محدودة جداً وغير منتظمة، ولذلك فالمياه السطحية في دول المجلس تكاد تكون معدومة.
ولخص الأحمدي سبل مواجهة أزمة ندرة المياه، بخفض معدل استهلاك الفرد الخليجي للمياه، وتقليل معدلات النمو السكاني المتزايدة، باعتباره العامل الأشد ضغطاً على موارد المياه.
الضغط السكاني
في دراسة مستفيضة أعدتها وحدة الاستقصاء بمجموعة «الإيكونومست» البريطانية يتوقع مصطفى شفيق علام أن يرتفع عدد سكان دول الخليج الست من 39.6 مليون نسمة في 2008 إلى 41.4 مليون بنهاية 2010، ليصل إلى 47.5 مليون في 2015، قبل أن يقارب 53.4 مليون نسمة بحلول عام 2020.
ويضيف أن النمو الاقتصادي المتزايد في دول الخليج ينعكس على زيادة مداخيل الأسر، ويشجع على زيادة حجم استهلاك المواد الغذائية، حيث تفيد بعض الإحصاءات أن مرونة الإنفاق على الغذاء بالنسبة للدخل في بلدان قطعت شوطاً لا بأس به في طريق النمو تصل إلى 0.6%، ما يعني أن زيادة الدخل بنسبة 10% تنجم عنها زيادة في الإنفاق على الغذاء بمقدار 6%، وهي نسبة لا يستهان بها على حد قوله.
ولفت إلى أن ارتفاع معدلات التحضر في أية دولة، والناجمة عن الهجرة المتزايدة للسكان من الريف والمناطق النائية باتجاه المدن، يؤدي بالتبعية إلى زيادة حجم استهلاك المواد الغذائية، نظراً لما توفره المدن من فرص عمل واسعة، وقنوات تسهل الحصول على الغذاء، موضحاً أن نحو 90% من إجمالي سكان دول مجلس التعاون الخليجي يقطنون المدن والحواضر.
وبينت الدراسة أن أعلى نسبة من سكان الحضر بين دول الخليج الست هي في البحرين وقطر 92%، وأدنى نسبة في سلطنة عمان 82%، وإلى جانب تنامي معدلات الطلب على الغذاء في دول الخليج، أدت العوامل الثلاثة السابقة والمتمثلة في الزيادة السكانية، وارتفاع مستوى المعيشة، وتنامي معدلات التحضر، إلى ارتفاع كبير في حجم الطلب على المياه، حيث بلغ نصيب استهلاك الفرد في دول المجلس ما بين عامي 2003 و2007 أعلى من نظيره الياباني أو الصيني في عام 2000.
وتوقعت الدراسة أيضاً ازدياد الطلب على المياه في السعودية ودبي وقطر بما يعادل 52% و58% و86% على التوالي خلال العقد القادم، ما يتطلب من صناع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي، أن يبحثوا عن حلول ابتكارية مستديمة لمواجهة معضلتي الأمن المائي والغذائي لشعوبهم.
المياه في الخليج
يبلغ إجمالي إنتاج دول الخليج مجتمعة من المياه المحلاة نحو 99 مليون متر مكعب يومياً، ما يفسر اعتماد دول الخليج على المياه المحلاة في استهلاكها، وباعتبار أن المياه المحلاة تشكل صمام أمان للوفاء بالاحتياجات المائية لدول الخليج على المدى القريب والمتوسط، فإنه لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن عملية التحلية تعد تقنية باهظة التكاليف، سيما مع ازدياد درجة ملوحة المياه المراد إعذابها، ويتخلف عنها مياه شديدة التملح تسبب أضراراً بالبيئة والمجال الحيوي، وهو أمر يلقى حالياً اهتماماً من الجهات المعنية في دول الخليج خاصة في تخطيط التوسعات المنتظرة في مجال تحلية مياه البحر.
وفي ظل ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب إلى مستويات قياسية منذ عام 2008، وصولاً إلى الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على مجمل الفعاليات الاقتصادية في العالم، وبمقدمتها دول الخليج، أصبح التوجه نحو الأراضي الزراعية في البلدان النامية هدفاً استراتيجياً للدول المنتجة للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تملك احتياطيات نقدية كبيرة ومعدلات نمو مرتفعة، في حين تعاني نقصاً حاداً في قدراتها المائية، ولا تمتلك غير مساحات صغيرة من الأراضي الصالحة للزراعة.
الأمن المائي بين المطلق والنسبي
وخلصت دراسة جديدة حملت عنوان «دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020 موارد للمستقبل»، صدرت عن وحدة «إيكونومست للمعلومات» ECU بدعم ورعاية من هيئة مركز قطر للمال، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه مخاطر حقيقية تمس أمنها المائي والغذائي، جراء نقص إمدادات الماء والغذاء خلال السنوات القليلة المقبلة.
وميّزت الدراسة بين مستويين للأمن الغذائي، أولهما ما يعرف بالأمن الغذائي المطلق، ويعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل، ويعرف أيضاً بالأمن الغذائي الذاتي، وثانيهما الأمن الغذائي النسبي، ويعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول، على توفير احتياجاتها من السلع والمواد الغذائية كلياً أو جزئياً، بما يضمن لمواطنيها توافر الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بصورة منتظمة.
وقالت الدراسة إنه في ظل التحولات الاقتصادية العالمية وما رافقها من تحرير للتبادل التجاري بين الدول، فإن مفهوم الأمن الغذائي المطلق، أو الاكتفاء الذاتي الكامل، أضحى مفهوماً طوباوياً وغير واقعي، وبات الهدف الاستراتيجي الرئيس لأي دولة يتمثل في قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها بمستواه النسبي.
وحثت الدراسة دول الخليج العربية على الاستثمار في الأراضي الزراعية في الخارج لتحقيق أمنها المائي والغذائي، مع ضرورة توظيف هذه الاستثمارات بعناية فائقة لتفادي الصراعات مع حكومات الدول المضيفة.
وأدركت الدول الخليجية ـ حسب الدراسة ـ أن أي استراتيجية تنموية لتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها، لابد أن تتخذ من التنمية الزراعية المستديمة غاية لها، سيما في ظل الارتفاع المتزايد لعدد السكان، ومحدودية الموارد الطبيعية الزراعية، ومن ثم ضعف الإنتاجية الزراعية، وتنامي الفجوة الغذائية، ما من شأنها أن تخلق نوعاً من التبعية الاقتصادية، ويجعل الخيار الاستراتيجي الخليجي للخروج من هذا المأزق يستوجب تحقيق تنمية زراعية مستديمة، عبر الانطلاق نحو شراء الأراضي الزراعية في الخارج.
وتكمن حاجة دول الخليج لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الغذاء في ثلاث حقائق ديمغرافية واقتصادية واجتماعية، تتعلق بعناوين النمو الديمغرافي، وارتفاع مستوى المعيشة، وتنامي مستويات التحضر، وفق ما خلصت إليه الدراسة.
ومن المعلوم أن حجم الاستهلاك من المواد الغذائية تزيد معدلاته بازدياد عدد السكان، وبالتالي فإن الإنتاج الزراعي ينبغي أن يواكب الزيادة الحاصلة في عدد السكان، تفادياً لحصول عجز غذائي.
وتعد قضيتا الأمن الغذائي والمائي، أبرز مشكلة تؤرق الحكومات في دول الخليج العربية، سيما مع تفاقم مخاطر التصحر في العالم، وفي ظل التغيرات المناخية الناجمة عن ظاهرة الاحترار أو الاحتباس الحراري.
وتؤكد الدراسات العلمية أن المنطقة العربية ستتعرض نتيجة للتغيرات المناخية إلى ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات تتراوح بين درجتين وخمس درجات مئوية، مصحوبة بتدني معدلات هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 20%، ما من شأنه أن يؤدي إلى توالي دورات الجفاف الشديد أو السيول الجارفة.
ومثل هذه التغيرات والظواهر المناخية ستكون لها آثار سيئة على توفر المياه في دول الخليج العربية التي تعاني أساساً من ندرة المياه، حيث تعتمد بالدرجة الأولى على المياه الجوفية وهي مياه غير متجددة، وأدى استنزاف الخزانات الجوفية في بعض دول الخليج إلى هبوط حاد في المناسيب، وزيادة ملوحة مياه الآبار، وهي مشكلة أدت ببعض من هذه الدول إلى انتهاج سياسات تستهدف ترشيد استخدام المياه الجوفية والحد من استنزافها، خصوصاً في الأغراض الزراعية.
وبسبب الندرة المائية في دول الخليج، لجأت تلك الدول لاستخدام تقنية تحلية مياه البحر لتوفير احتياجات الشرب والاستخدام المنزلي، وتعتبر منطقة الخليج أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بنسبة تزيد على 60% من حجم المنتج عالمياً، فالمملكة العربية السعودية هي الأولى عالمياً في حجم المياه المحلاة، حيث تملك 27 محطة تحلية تلبي نحو 70% من الطلب على مياه الشرب، وتقدم 27% من الإنتاج العالمي للمياه المقطرة، وتليها الإمارات 64.5% من احتياجاتها المائية، ثم الكويت 63.24%، فقطر 49.5%، وأخيراً البحرين 19%.
نبع الماء وسلة الغذاء
مع تزايد الاتجاهات الاقتصادية الدولية نحو تسليع وتسعير المياه، بمعنى جعلها سلعة اقتصادية لها سعر، وتخضع لمعايير العرض والطلب واعتبارات السوق، وفقاً لما يسمى بـ»الفكر المائي الجديد» الذي بشر به البنك الدولي منذ بدايات العقد الأخير من القرن الفائت، تلقفت دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعاني شحاً مائياً، هذا الطرح باعتباره يمثل لها حلاً عملياً لمعضلتها المائية.
وبادرت المملكة العربية السعودية بإعلان استعدادها لشراء المياه من أية دولة لديها فائض مائي وترغب في بيعه أو استثماره، ولم يقتصر الأمر على تسليع المياه فقط، بل تعداه إلى تسليع الأراضي الزراعية في الدول الفقيرة أيضاً وعرضها للبيع أو الكراء، سيما في قارة أفريقيا، ومع توجه السياسة فيها بشكل عام نحو الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، أصبحت القارة الأفريقية الغنية بثرواتها الكامنة، سواء كانت هذه الثروات معدنية أو زراعية أو سياحية، تربة خصبة وجاذبة للاستثمار من كافة دول وأقطار العالم.
ولما كانت منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي تعد بمثابة العمق الاستراتيجي والامتداد الجغرافي لمنطقة الخليج العربي، باعتبارها سلة غذاء العالم القادمة وسوقه الواسع، بما تحويه من ثروات مائية وزراعية ضخمة، وفي المقابل تتوافر في المنطقة الخليجية الموارد المادية والنفطية الهائلة، فقد ارتأت دوائر صنع القرار في الدول الخليجية إمكانية إقامة نظام اقتصادي إقليمي جديد بين الجانبين، يقوم على الشراكة الاقتصادية الهادفة والبناءة في عالم باتت تحكمه الاعتبارات والمصالح الاقتصادية في المقام الأول، مع الأخذ في الاعتبار أن ثمة اعتبارات جغرافية وأخرى تاريخية وحضارية تجمع بين كلا الإقليمين، ما من شأنه أن يزيد فرص نجاح أي مشاريع للشراكة، ويسهل من تدشين وتنفيذ أية خطط تكاملية واستراتيجية مستقبلاً.
الاهتمام بالاستثمار الزراعي
ومع تزايد أزمة الغذاء العالمي وانعكاساتها على دول الخليج، تزايد الاهتمام بالاستثمار الزراعي في الخارج، وتزايدت أهمية القارة الأفريقية على وجه العموم ومنطقة حوض النيل على وجه الخصوص كسلة واعدة للغذاء، وبدأ كثير من المستثمرين والشركات الاستثمارية الخليجية الزحف نحو دول حوض النيل، بحثاً عن فرص أفضل للاستثمار الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، ومن ثم المائي لدولهم.
وأرادت الحكومات الخليجية أن تفتح الباب أمام مواطنيها وشركاتها للتدفق الاستثماري الزراعي صوب دول حوض النيل، ومن خلال توقيع اتفاقات شراكة مع عدد من التجمعات الأفريقية، وبمقدمتها مجموعة دول «الكوميسا» التي تضم 19 دولة أفريقية من شرق وجنوب القارة متضمنة دول حوض النيل.
وفي هذا الإطار عقد مجلس الغرف التجارية السعودية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث، مؤتمر الاستثمار الخليجي الأفريقي الأول بالرياض تحت عنوان «تعزيز العلاقات الاقتصادية الخليجية - الأفريقية» يومي 24 و25 أبريل 2010، بمشاركة 7 رؤساء دول أفريقية، أهمها تنزانيا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية «وهي دول نيلية»، وشارك في المؤتمر من الجانب الخليجي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق عبدالرحمن بن حمد العطية.
وهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية القائمة في دول «الكوميسا»، بما في ذلك الاستراتيجيات المطلوبة لترجمة الخطط المطروحة إلى إنجازات عملية ملموسة على أرض الواقع، في مجالات الزراعة والتعدين والموارد الطبيعية والطاقة والاتصالات والبنية التحتية والسياحة والتجارة. وسبق هذا المؤتمر منتدى تمهيدي عقد بمدينة كيب تاون الجنوب أفريقية في أبريل 2009، بهدف توطيد العلاقات بين الجانبين، من خلال رصد وتقييم جوانبها المختلفة واستشراف الآفاق المستقبلية لها، توطئة لعقد شراكات واسعة بين التجمعين الإقليميين في كافة المجالات.
من ناحية أخرى، نظمت غرفة تجارة وصناعة الشارقة نهاية فبراير 2009، جولة ترويجية في كل من كينيا وإثيوبيا «الدولتان النيليتان المهمتان»، بهدف بحث سبل تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، سيما الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، واستثمار فرص النمو المتاحة مع هاتين الدولتين.
وفي هذا الإطار، دعا وزير الشؤون الخارجية الكيني موسى ويتانجولا، الفعاليات الاقتصادية الإماراتية إلى استغلال الموارد الطبيعية، واستثمار فرص النمو المتاحة في مختلف القطاعات الحيوية في كينيا، بما فيها الزراعة والسياحة والبنى التحتية والاتصالات والطاقة والخدمات.
فيما طالب عضو مجلس إدارة غرفة تجارة أديس أبابا سامراويت موجيس، المسؤولين في الشارقة ببحث تطوير العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين في مختلف القطاعات، وإطلاق مشاريع ومبادرات جديدة لمد جسور التواصل بين رجال الأعمال والهيئات الاقتصادية بين البلدين لتشجيع التبادل التجاري على نطاق واسع، والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية بين الإمارات وإثيوبيا، سيما في مجالات الزراعة والموانئ والسياحة والقطاع العقاري والإنشاءات والضيافة والاتصالات السلكية واللاسلكية والتمويل والطاقة، إضافة إلى الأعمال المتخصصة مثل التمويل والطاقة المتجددة.
ونظراً للعلاقات الخليجية الخاصة والمميزة بالسودان، فلم يكن من المستغرب أن تستقبل أراضيه أعداداً كبيرة من رجال الأعمال من دول خليجية عدة لشراء أكثر من 1.2 مليون فدان من الأراضي الزراعية عالية الخصوبة، والموزعة على معظم ولايات السودان، خاصة ولاية نهر النيل والخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وكردفان.
ومن المعروف أن السودان يمتلك أراض زراعية واسعة عالية الخصوبة تعادل ما يقارب 48% من جملة الأراضي الزراعية في الوطن العربي مجتمعة، أي ما يعادل نحو 90 مليون هكتار، إضافة إلى مراع طبيعية خصبة تصل مساحتها إلى نحو 110 ملايين هكتار، في ظل وجود ثروة حيوانية هائلة تصل إلى 135 مليون رأس، مع وفرة المياه العذبة من الأنهار والأمطار والمياه الجوفية.
ويحتضن السودان استثمارات زراعية سعودية على مساحة 250 ألف فدان في ولاية نهر النيل شمال السودان، وبدأ الإنتاج الفعلي للمحاصيل في الكثير من هذه المساحات، وتمكنت مجموعة حائل السعودية للتنمية الزراعية Had co من استغلال نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية السودانية المطلة على نهر النيل وزراعتها خضراً وقمحاً وعلفاً للماشية، ودفعت مقابل ذلك للحكومة السودانية ما يزيد عن 99 مليون دولار، حيث اتفق على أن يكون الإنتاج كله موجهاً بالأساس إلى السوق السعودية.
الإمارات تستثمر في السودان
وتعد الاستثمارات الزراعية الإماراتية الأكبر خليجياً في السودان، حيث تتم على مساحة تبلغ نحو 900 ألف فدان في عدة ولايات، أهمها مشروع «زايد الخير» على مساحة 40 ألف فدان في ولاية الجزيرة، حيث تتم زراعة القمح والذرة الشامية وبعض الأعلاف، كما إن شركة الروابي الإماراتية تعمل في إنتاج الأعلاف أيضاً شمال السودان بالتعاون مع الهيئة العربية للاستثمار الزراعي.
وترعى أبوظبى مشروعاً لتطوير الأراضي الزراعية في السودان لضمان حصول الإمارات على الذرة والقمح والبطاطس والفاصولياء، كما توفر المساحات المزروعة للإمارات أيضاً الحصول على البرسيم لتغذية وتربية المواشي، وتتمتع الإمارات بشكل عام بعلاقات اقتصادية مميزة مع السودان، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 30 مليار درهم خلال عام 2008، أي بزيادة 39% مقارنة بعام 2007، و120% مقارنة بعام 2006، ليستحوذ بذلك على 3.6% من إجمالي حجم التجارة الخارجية للإمارات.
قطر والكويت أيضاً
على نحو مماثل أسست الحكومة القطرية، مشروعاً مشتركاً مع الحكومة السودانية لإنتاج القمح والذرة والبذور الزيتية، كما وقع مستثمرون كويتيون من القطاع الخاص اتفاقاً مع الحكومة السودانية لاستزراع نحو 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض، وفي إثيوبيا، يستثمر عدد من رجال الأعمال السعوديون نحو 100 مليون دولار في أراض زراعية لإنتاج القمح والشعير والأرز. وكان رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي صرح لوسائل إعلام سعودية عام 2008، بأن بلاده ترغب في وضع مئات الآلاف من الهكتارات تحت تصرف من يرغب بالاستثمار، وأن حكومته خصصت نحو مليوني هكتار من أجود الأراضي الزراعية الخصبة في مقاطعتي أمهارا وأورومي لهذا الغرض. وفي دلتا نهر تانا في كينيا، تمكنت مؤسسة قطرية من الحصول على نحو 40 ألف هكتار من أجود الأراضي الزراعية، بغرض تخصيصها لزراعة الفواكه والخضر والحبوب، وهو المشروع كان الرئيس الكيني مواي كيباكي ناقشه مع المسؤولين القطريين، أثناء زيارته إلى الدوحة نوفمبر من عام 2008، حيث تمكن خلالها من إبرام صفقة استثمارية بين الجانبين، تتمكن بموجبها قطر من حق استغلال هذه الأراضي الزراعية، بينما تحصل كينيا في المقابل على تمويل قطري لبناء ميناء في جزيرة «لامو» الكينية الساحلية.
رحلة البحث عن الماء
أدت ندرة مصادر المياه في دول الخليج إلى ضرورة البحث عن موارد مائية غير تقليدية لتأمين احتياجاتها الأساسية من الماء والغذاء، وعلى الرغم من التقدم التقني والكمي الذي حققته هذه الدول في مجال تحلية مياه البحر، فإن احتياجات السكان المتزايدة من المياه والغذاء، سيما في ظل التطور الذي شهدته هذه الدول في كافة مناحي الحياة خلال العقود الثلاثة الماضية، مع تنامي الوفرة النفطية وتأثيراتها على نمط الحياة والاستهلاك، ظلت دائماً من الأمور الحيوية التي تشغل بال المسؤولين في دول الخليج العربي.
وكان التوجه الاستراتيجي الخليجي نحو الدائرة النيلية، باعتبارها معيناً لا ينضب من الموارد المائية والإمكانات الزراعية الواعدة، وإذا كانت الدول العربية أطلقت برنامجاً طارئاً للأمن الغذائي العربي للأعوام العشرين المقبلة، وتمت الموافقة عليه خلال القمة العربية الاقتصادية في الكويت يناير 2009، حيث يهدف البرنامج إلى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي في الوطن العربي خلال الأعوام العشرين المقبلة من الحبوب ما بين 57% إلى 93%، فيما يبلغ الاكتفاء من المحاصيل السكرية نسبة 81%، و69% للبذور الزيتية، و90% من حاجة المنطقة من الأرز، فإنه يلاحظ أن دول مجلس التعاون الخليجين اشترت بصورة منفردة مئات آلاف الأفدنة لأغراض الاستثمار الزراعي في دول حوض النيل، دون أي تنسيق أو تعاون مع جامعة الدول العربية، التي أطلق البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي برعايتها وتحت مظلتها.
صفقات المياه
ويقول رئيس شركة نسلة العالمية للمنتجات الغذائية بيتر باربك معلقاً على صفقات شراء الأراضي الزراعية في الدول النامية من قبل دول الوفرة المالية «إن تلك الصفقات ليست حرصاً على الأرض، بقدر ما هي حرص على المياه، لأنه مع الحصول على الأرض تحصل على حق المياه المرتبطة بها لريها، وفي معظم البلدان المضيفة يتوافر حق المياه مجانياً، وهذا ما يجعل أكثر بنود تلك الصفقات خطورة». وترى الدول الخليجية أن الاستثمارات الزراعية في دول حوض النيل إنما تهدف بالأساس إلى دعم وتوفير سلع غذائية رئيسة لا يمكن زراعتها محلياً مثل الأرز وقصب السكر، أو التي تستهلك في زراعتها كميات وفيرة من المياه مثل القمح والشعير والأعلاف الحيوانية، سيما في ظل تخلي تلك الدول عن برامج زراعة هذه المحاصيل بسبب تضاؤل مصادر المياه. وتهدف دول الخليج من خلال هذه الاتفاقات إلى توفير المنتجات الحيوانية والسمكية لسكانها ضمن استثمارات استراتيجية طويلة الأجل، مع تأكيد كون الاستثمارات الخليجية تفيد أيضاً الدول المضيفة، إلى جانب أنها تصب بشكل أكبر في إطار الجهود الدولية لمكافحة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي العالمي. ورغم هذا الجدل، قد يكون من المبكر أو السابق لأوانه تقييم تجربة التوجه الخليجي نحو تملك الأراضي الزراعية بشكل مكثف في دول حوض النيل، سيما في السودان وإثيوبيا وكينيا والكونغو، على مستوى نجاعتها في تحقيق المرجو منها خليجياً عبر تحقيق الأمن الغذائي ومن ثم المائي للسكان. ويجدر بنا في هذا الإطار إعادة تأكيد أن حل أزمة الغذاء في دول الخليج العربي، وفي العالم العربي ككل، إنما يكمن بالأساس في تفعيل استراتيجية فعالة للتكامل الغذائي العربي، لجهة إقرار الحاجات، وتحديد الإمكانات، وتحييد التحديات، خاصة بعد إقرار القمة العربية بالرياض مارس 2007 وضع استراتيجية لتنمية الزراعة في بلدان العالم العربي، وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين. وتم تأكيد بنود تلك الاستراتيجية مجدداً في القمة العربية الاقتصادية بالكويت مطلع 2009 في إطار البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، حيث أجمع المشاركون في كلتا القمتين على أن التكامل العربي أضحى حاجة ضرورية ملحة، ومطلباً أساسياً للقدرة على مواجهة هذه الأزمة العالمية، سيما أن الوطن العربي بإمكاناته وقدراته قادر على مواجهتها وعلاجها إذا أراد ذلك، خاصة إذا حسنت النيات، وتلاقت الإرادات، ونحيت الخلافات السياسية جانباً لمصلحة الأمة العربية وشعوبها حاضراً ومستقبلاً.
2015 الأكثر جفافاً
وتوقع تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، أن يواجه العالم العربي وهو من أكثر المناطق جفافاً على وجه الأرض، وضع «ندرة المياه الحادة» بحلول 2015. وذكر تقريره الصادر مؤخراً أن العالم العربي يعيش بالفعل أزمة مياه ستتفاقم إذا لم تتخذ إجراءات حيالها، مضيفاً أن حصة الفرد تراجعت إلى ربع ما كانت عليه عام 1960. وبحلول نهاية هذا القرن فإن الدول العربية تشهد انخفاضاً نسبته 25% في سقوط الأمطار وزيادة نسبتها 25% في معدلات التبخر وفقاً لنماذج التغير المناخي التي استشهد بها التقرير. وذكر التقرير أنه نتيجة لذلك فإن الزراعة المعتمدة على الأمطار في الري ستصبح مهددة، حيث يتراجع متوسط المحصول بنسبة 20%، وتوجد 13 دولة عربية بين أكثر 19 دولة في العالم تعاني من ندرة المياه، وفي 8 دول عربية يتعين على كل فرد من السكان استخدام 200 متر مكعب فقط من المياه سنوياً. وقال إنه بدون إجراء تغييرات أساسية في السياسات والممارسات، فإن الوضع سيتفاقم بتداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية خطيرة، وتتباين الأوضاع في أنحاء المنطقة لكن خلال خمس سنوات فإن العراق والسودان فقط سيجتازان اختبار شح المياه الذي جرى تعريفه على أنه يزيد على 1000 متر مكعب سنوياً للفرد، مع افتراض أن الإمدادات من تركيا وأثيوبيا ستتدفق بالمستويات الحالية.