بقلم: د. خالد محمد الرويحي
بعد الزيارات المكوكية التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، بزعم الحصول على دعم عالمي لمكافحة الإرهاب، يطفو على السطح سؤالٌ بسيطٌ وبريءٌ: هل نجحت هذه الزيارات في توحيد الموقف الدولي تجاه محاربة الإرهاب؟
لاشك بأن مؤشرات الإجابة على هذا التساؤل يمكن قراءتها عن طريق تحليل الوضع في الشرق الأوسط، بصورة عامة، والوضع السوري على وجه الخصوص، من ثلاث زوايا مهمة: أولاً بإعادة التعرف على الأسباب الخفية وراء التدخل الروسي المفاجئ في الحرب الأهلية السورية منذ شهر أكتوبر الماضي. والزاوية الثانية تتعلق بانضمام فرنسا للتحالف الدولي في الحرب اللامتماثلة -التي تخوضها حوالي 65 دولة- ضد ما يطلق عليها جماعة «داعش». أما الزاوية الثالثة فهي غياب الاستراتيجية الأمريكية في حربها على الإرهاب، خصوصاً مع عدم قدرتها على حسم أمر المشاركة الفعلية في هذه الحرب، بهدف إيجاد حلول واقعية لما يجري في الشرق الأوسط، بسبب سوء السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية السابقة، وزادها سوءاً تخبط الإدارة الحالية، وضياع بوصلتها.
ولزيادة تعقيد الوضع، أسقطت القوات الجوية التركية في الأسبوع الماضي طائرة مقاتلة روسية، بسبب دخولها المجال الجوي التركي، مع استمرار نفي الجيش الروسي لهذا الاتهام. ثم تأتي الولايات المتحدة بعد عدة أيام لتؤكد الرواية الرسمية التركية!!
فهل بدأت قوات التحالف «المزمع» تقاتل بعضها البعض جواً، بعد الحرب السياسية على الأرض؟ وهل يعني ذلك بأن المعلومات الحربية والاستخباراتية قد وصلت إلى مرحلة التشبع؟
لنرَ -الآن- الوضع في الشرق الأوسط من الزوايا الثلاث:
-1 التدخل الروسي.. الحرب من أجل البقاء: لم تتوانَ الحكومة الروسية -في بداية تدخلها- عن نشر الأكاذيب حول سبب مشاركتها في الحرب السورية. فبعد أن أكدت للعالم أجمع بأن مشاركتها تهدف إلى القضاء على إرهاب «داعش»، وتأمين الأرض السورية من مختلف الجماعات الإرهابية، تم فضح تلك المشاركة -بفضل الإعلام الرقمي الحديث- وتبين بأنها حرب تهدف إلى القضاء على القوى الوطنية المعارضة للرئيس بشار الأسد ونظام حكمه. واتضحت الرؤية في هذا الجانب بأن الجماعات الإرهابية المتواجدة في سوريا، وخاصة «داعش»، لن تكون مستهدفة بشكل مباشر -كما كان العالم يتوقع- من قبل الضربات الجوية الروسية.
وبسبب العلاقة الوثيقة بين نظام الحكم في سوريا وجماعة «داعش»، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة بيع النفط الذي استولت عليه هذه الجماعة الإرهابية وبيعه بواسطة الحكومة السورية، فإن هذه الجماعة باتت في مأمن من استهداف القوات الجوية الروسية لها، بسبب تعارض المصالح الروسية بين مفهوم الإبقاء على أركان نظام الرئيس بشار الأسد وبين الدعم غير المباشر الذي تقدمه «داعش» لهذا النظام.
وكانت النتيجة المباشرة لهذه الحبكة العسكرية والنضج السياسي، من قبل الحكومة الروسية، تمكن «داعش» من نشر إرهابها في جميع أنحاء أوروبا، بلا استثناء، بل وتنفيذ عدد من أخطر عملياتها الإرهابية النوعية خلال الشهر الحالي. والملاحظة المهمة في هذه العمليات هي عدم غياب الدعم اللوجستي الاستخباراتي عنها، خصوصاً تلك العملية التي نفذت في ملعب «سان دونى» بالعاصمة الفرنسية أثناء تواجد الرئيس الفرنسي فيه.
والذي لا يختلف عليه الكثيرون الآن، فإن المتوقع بأن روسيا تدخلت في سوريا، بهدف البقاء الدائم فيها، ربما عن طريق إنشاء قاعدة عسكرية، أو اتفاق للحماية طويل الأمد، وهو ما تحاول الحكومة الروسية مناقشته ضمنياً، مع أي انتقال للسلطة، كحل سياسي للأزمة السورية.
-2فرنسا ضمن القوات الجوية للتحالف: لقد نجح الرئيس فرانسوا هولاند في إقناع الرأي العام الفرنسي -بعد العمليات الإرهابية الأخيرة- بأن حكومته تستطيع التعامل مع الإرهاب وضربه حيثما كان، على الرغم من التقصير الكبير الذي حدث من المؤسسات الأمنية الفرنسية، فيما يتعلق بقدرة هذه الأجهزة على اكتشاف مثل هذه العمليات الكبيرة، أو على الأقل متابعة أولئك الأشخاص الخطرين، ممن هم على قائمة الإرهاب، كما هو الحال مع منفذي الهجمات في باريس. وواصل الرئيس الفرنسي هذا النجاح من خلال رد فعل الحكومة الفرنسية على تلك العمليات الإرهابية، وبدأت القوات الجوية الفرنسية بالمشاركة ضمن قوات التحالف، ودك معاقل «داعش» المزعومة في سوريا، وكأن المواقع التي استولت عليها هذه الجماعة الإرهابية في العراق، ليست ضمن الحملة الإعلامية الفرنسية. فكيف سيتم القضاء على «داعش» من خلال الحملات الجوية المتواصلة فقط في سوريا؟ ربما الاتفاق أن تكون هناك معركة واحدة فقط ضد الإرهاب في سوريا، مع بقاء الخيارات مفتوحة -فيما يتعلق بالحرب الحقيقية على الإرهاب- إلى مناسبات وظروف أخرى، لا تحققها الأحداث الجارية حتى الآن في سوريا!
-3 أمريكا والحرب على الإرهاب.. «كبيرهم الذي علمهم السحر»: ربما من المهم التأكيد على أن إدارة الرئيس أوباما قد أصابها الإرهاق مع بداية توليه الرئاسة بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم الخطط الإصلاحية التي حاولت إدارته تنفيذها لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، ثم محاولاته المستميتة لتمرير مشروعه الكبيرالمتعلق بالرعاية الصحية. واغتنمت الإدارة الأمريكية حدوث بعض الثورات العربية غير الناضجة لمواصلة قيادة العالم، ولكن سرعان ما تحولت هذه الثورات إلى وحوش كاسرة، بولادة الجماعات الإرهابية من رحم بعض هذه الثورات المدبرة.
ويمكن ملاحظة عجز الإدارة الأمريكية في العديد من الملفات، وأهمها الشرق الأوسط، وغياب الاستراتيجية الواضحة للتعامل مع الوضع في سوريا مما سبب إحراجاً لهذه الإدارة داخل المؤسسات الأمريكية وخارجها. ويكفي أن روسيا -على الرغم مما تمر به من أزمة اقتصادية خطيرة، بسبب تدني أسعار النفط- قد تمكنت من ملء الفراغ الذي تركه غياب الاستراتيجية الأمريكية المناسبة، فغيرت ميزان القوى على الأرض السورية، بما يتناسب مع مصلحة روسيا وبقاء الرئيس الأسد.
لقد بدأ الحلم -الذي وعدت الإدارة الأمريكية مواطنيها بتحقيقه، من خلال القضاء على الإرهاب- بالتلاشي شيئاً فشيئاً، وأصبحت هذه الإدارة بانتظار نتيجة الحلول التي سوف تتوصل إليها القوى العالمية الأخرى، وخصوصاً روسيا.
القضاء على الإرهاب..
الخطوة الأولى
لعله من الواجب على أمريكا -بصفتها قائدة مفهوم الحرب على الإرهاب- التحلي بالشجاعة والاعتراف بأنها السبب الأول وراء ما يحدث في العالم، بسبب ردود أفعالها الطائشة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واستمرارها في تبني المفردات والمعاني التي تناسب تعريفها لهذا الإرهاب المتنامي، دون النظر لما يحدث في العالم، كنتيجة مباشرة لتلك السياسة الخاطئة تجاه الدول العربية والإسلامية. وربما على الحكومة الأمريكية الاستفادة من الخبرات الكبيرة التي استطاعت بعض الدول الخليجية امتلاكها -مثل السعودية والبحرين- بسبب استراتيجيتها العقلانية في تعاملها مع الإرهاب، فاستطاعت استئصاله من جذوره، من دون اتهام الأبرياء وتبرئة المجرمين، كما يحدث في المشهد الأمريكي العالمي.
* المدير التنفيذي لمركز «دراسات»