احتفلت المملكة المغربية أمس بعيد العرش المجيد وهي الذكرى السابعة عشر لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش.
وترتبط البحرين والمغرب بعلاقات وطيدة ومتميزة عززها حرص صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وأخيه جلالة الملك محمد السادس على توثيقها وتدعيمها حيث يؤكد العاهلان دوماً اعتزازهما بالعلاقات الأخوية التاريخية العريقة والمتميزة القائمة بين المملكتين الشقيقتين وما تشهده من تطور وتقدم في شتى المجالات، منوهين بالحرص المتواصل على تعزيز هذه العلاقات وتنميتها والوصول بها إلى أفضل المستويات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.
فعلى المستوى السياسي ترتبط البحرين والمغرب بعلاقات متميزة مبنية على التشاور السياسي والتنسيق المستمر والدعم المتبادل في المحافل الإقليمية والدولية والتأكيد على الالتزام بقواعد القانون الدولي وخاصة احترام سيادة الدول واختياراتها ورفض التدخلات الأجنبية، والتطابق في وجهات النظر حيال القضايا العربية والإسلامية والدولية.
ووقفت كلا الدولتين مواقف عديدة داعمة للأخرى في المحافل الإقليمية والدولية دفاعاً عن سيادتهما واستقلالهما، فدعمت البحرين ولاتزال بقوة موقف المغرب ومبادرتها الخاصة بالحكم الذاتي في الصحراء المغربية في إطار السيادة المغربية ووحدة التراب المغربي، ووفقاً للشرعية الدولية. كما وقفت البحرين مع سيادة المغرب على كامل ترابه الوطني ووقوفها مع المغرب في أزمته حول جزيرة ليلى في منتصف عام 2002. وأرسل جلالة الملك نجله الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة في وقتها كمبعوث شخصي لجلالته إلى المغرب للتأكيد على تضامن البحرين معها.
وتدعم المملكة المغربية البحرين ويسجل التاريخ موقفها القوي والحاسم حينما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران جراء تصريحات الأخيرة المسيئة إلى مملكة البحرين، كما أنها تدين باستمرار تكرار هذه التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية، مؤكدة أن التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع مبادئ وقواعد القانون الدولي فضلاً عن قيم التعايش السلمي وحسن الجوار التي يحث عليها الدين الإسلامي.
ويسجل التاريخ للمغرب أنه من أوائل الدول العربية التي اعترفت باستقلال البحرين يوم 15 أغسطس1971 وتبادل معها التمثيل الدبلوماسي بعد ذلك. وتم التمثيل الدبلوماسي المقيم في سنة 1988 بالنسبة للمغرب بالمنامة، وفي يوليو سنة 1997 بالنسبة لمملكة البحرين في الرباط.
وتعبر الزيارات بين قادة ومسؤولي البلدين دليلاً واضحاً على عمق العلاقات الثنائية فقد زار صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المملكة المغربية مرات عديدة منها أعوام 2002 و2003 و2010 و2015 وأحدثها كان خلال شهر يوليو الجاري.
كما زار جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب مملكة البحرين في 2001 و2005 ثم كانت زيارة جلالته في أبريل 2016 والتي تعد علامة فارقة في العلاقات بين البلدين، وقد صاحب هذه الزيارة تدعيم العلاقات الثنائية وتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون وفتح مجالات الاستثمار بين البلدين، ومنها توقيع بروتوكول تعديل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب الضريبي بالنسبة إلى الضرائب على الدخل، وعلى برنامج تنفيذي لاتفاق التعاون لسنوات 2016- 2017- 2018 في مجال الشأن الديني، وتأطير الأئمة، وتأهيل القيمين الدينيين، والتعليم العتيق، ونشر تعاليم القرآن الكريم، وعلى بروتوكول تعاون بين المعهد العالي للقضاء ومعهد الدراسات القضائية والقانونية؛ لتكوين وتأهيل القضاة. يذكر أنه تم تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين عام 2000، انعكست إيجاباً على علاقاتهما الثنائية. كما تشكلت اللجنة العسكرية البحرينية المغربية والتي تواظب على الاجتماع بانتظام لبحث علاقات التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين البلدين ودراسة سبل تعزيزها وبحث ومناقشة المشروعات العسكرية المشتركة بين الجانبين.
وامتد التعاون بين البلدين إلى التعاون البرلماني الذي يشهد نمواً مطرداً في التنسيق بين السلطتين التشريعيتين وتبادل الخبرات بما يسهم في تطوير الحياة الديمقراطية في كلا البلدين.
وشهد هذا العام زيارة رئيس مجلس النواب المغربي لمملكة البحرين وسبقتها زيارة رئيس مجلس النواب البحريني إلى المغرب، إلى جانب زيارات لوفود برلمانية عديدة يتم خلالها تبادل الخبرات البرلمانية والقانونية وتنبع أهمية مثل هذه الزيارات الأخوية من دورها الكبير في تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين على المستوى الثنائي وفي المحافل والمؤتمرات الإقليمية والدولية بما يخدم قضايا البلدين والأمة العربية ومصالحها.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين يوجد تشابه في الهياكل والفلسفات الاقتصادية في كل من مملكة البحرين والمملكة المغربية إذ يعد الانفتاح الاقتصادي ميزة أساسية للتوجهات الاقتصادية في كلا البلدين ويحتل البلدان مواقع إقليمية ودولية متقدمة من حيث مؤشرات هذا الانفتاح، وترتبط مملكة البحرين مع المغرب بعدد من الاتفاقات الاقتصادية بلغ مجموعها حوالي 40 اتفاقية في إطار شراكة متجددة وواعدة، منها اتفاقية النقل الجوي ومذكرة التفاهم بين بورصة البحرين وبورصة الدار البيضاء واتفاقية الإخاء للتعاون بين غرفة تجارة وصناعة البحرين وغرفة تجارة وصناعة الدار البيضاء واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات الموقعة واتفاقية التعاون الاقتصادي والفني.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البحرين والمغرب أكثر من 102 مليون دولار، ويسعى الجانبان إلى زيادة هذا المعدل عن طريق تفعيل التعاون بين القطاع الخاص في كلا البلدين من خلال تبادل الزيارات الثنائية والاقتصادية بين رجال الأعمال من البلدين وتفعيل اتفاقات التعاون الموقعة بين الجانبين بما فيها مذكرة التفاهم بين غرفة تجارة وصناعة البحرين والمركز المغربي لتنمية الصادرات، إضافة إلى تنشيط دور المجلس المشترك البحريني المغربي، واستغلال فرص الاستثمار والتبادل، وتذليل العوائق المطروحة، خاصة تأمين النقل البحري والجوي، رغبة في تنمية وتطوير التعاون الاقتصادي بينهما، الذي مازال يقتصر على بعض القطاعات كقطاع العقار والسياحة.
ويسعى البلدان لاستغلال فرص الاستثمار والتبادل وتذليل العوائق، ومن ذلك المنتدى الاقتصادي المغربي البحريني الذي انعقد بالمنامة في مايو 2012.
ويمكن للبحرين أن تستفيد من المميزات والتسهيلات العديدة التي تمنحها المملكة المغربية للمستثمرين وبحجم الفرص الاستثمارية المتوفرة في جميع القطاعات الاقتصادية، كما أن المغرب يمكنه الاستفادة من كون البحرين مركزاً مالياً واستثمارياً. كما تتوافر في البحرين طاقات تصنيعية كبيرة وأصبح لديها العديد من السلع القابلة للتصدير والتي تتميز في إنتاجها بميزة نسبية من حيث الجودة والسعر مما يجعلها قادرة على منافسة المنتجات العالمية المماثلة حيث يمكن أن تساهم البحرين في سد احتياجات السوق المغربي الواسع من هذه السلع ومنها منتجات الألمنيوم والمنتجات البتروكيماوية وبعض الصناعات الطبية والبلاستيكية ومواد التغليف وغيرها. كما يمكن لمملكة البحرين أن تلعب دوراً هاماً في تنشيط تجارة إعادة التصدير والترانزيت فيما يتعلق بالسلع المختلفة التي تستوردها دول مجلس التعاون الخليجي من المغرب حيث يمكن للشركات المغربية أن تستفيد في هذا الخصوص من الإمكانيات والطاقات التخزينية المتوفرة في الموانئ البحرينية وكذلك موقع البحرين المتميز في الخليج العربي وارتباطها بالمملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي من خلال جسر الملك فهد.
وهناك سعي من الجانبين لاستقطاب معرضٍ دولي مغربي يتم تنظيمه في البحرين، وتوفير خطوط مباشرة للطيران وللملاحة البحرية من وإلى المملكة المغربية خلال العام القادم 2017 وسيسهم ذلك في تنشيط التبادل التجاري والسياحة بين البلدين.
وتتمدد العلاقات البحرينية المغربية في الجانب الثقافي حيث التجانس في المكونات الثقافية والفكرية فيما بين أبناء الشعبين البحريني والمغربي رغم بعد المسافات.. فقد تخطى هذا التجانس الفكري والثقافي الحدود والمسافات التي تفصل بين البلدين.. فيتفق الشعبان البحريني والمغربي في حبهما للمعرفة وتميزهما بتقاليد ثقافية عريقة ما جعل الكثير من المفكرين والمثقفين العرب يعتبرون مملكة البحرين فناراً للمشرق العربي والمملكة المغربية فناراً للمغرب العربي وتحرص مملكة البحرين على المشاركة في مهرجان أصيلة المغربي كما تحرص المغرب على المشاركة في مهرجان ربيع الثقافة البحريني.
ويمتد التواصل التاريخي الثقافي بين البلدين إلى زمن الرحالة المغربي «ابن بطوطة» الذي يعد أول سفير للمغرب يزور البحرين، ويكتب عنها كتابات في منتهى الدقة، حيث وصف طبيعتها الخلابة وطيبة أهلها ونمط عيش سكانها، خاصة فيما يتعلق بالغوص واللؤلؤ في كتابه. وتتشعب العلاقات لتصل إلى مجالات التنمية البشرية ومنها التعليم، حيث وقع وزير التربية والتعليم رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين ماجد بن علي النعيمي، في 23 مارس الماضي، مع رئيس جامعة القرويين على البرنامج التنفيذي الذي بموجبه ستستضيف مملكة البحرين البرنامج الأكاديمي لجامعة القرويين بمستويي الماجستير والدكتوراه بالتعاون مع جامعة البحرين. ويقدم هذا التعاون خدمة جليلة لطلبة الدراسات العليا في البحرين والدول المجاورة، لما تتميز به جامعة القرويين من مكانة وسمعة طيبتين.
ويقوم البلدان بالتعاون في مجال الصحة من خلال مذكرة التفاهم المشتركة الموقعة بين البلدين عام 2004 والتي تشمل تبادل الزيارات للاطلاع على الإمكانات والخبرات المتوافرة والاستفادة منها، والتكامل في مجال الخدمات الصحية، وتسعى المملكة المغربية للاستفادة من تجربة البحرين في تقديم الخدمات الصحية الأولية والثانوية.
إن عمق التعاون والترابط والتلاحم بين مملكة البحرين والمملكة المغربية وتعدد مجالاته تعتبر علامة بارزة في مسيرة العلاقات الثنائية الوطيدة وتعكس الرغبة المشتركة في توطيد وتدعيم هذه العلاقات.
وتشهد المملكة المغربية تطورات غير مسبوقة منذ تولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الأمور حيث شهدت ديناميكية كبيرة، عكستها ورش العمل الكبيرة التي غطت كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية والدينية وغيرها. وتتطلع البحرين إلى مزيد من التطور والنمو في العلاقات بين البلدين تنعكس في كافة المجالات سواء على المستوى الثنائي أو المستوى الخليجي وخصوصاً بعد انعقاد القمة المهمة بين المغرب ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبريل الماضي والتي أعطت دفعة جديدة للشراكة الاستراتيجية وتنبئ بمزيد من التعاون والتنسيق بين المغرب ودول مجلس التعاون الست وبما يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك والتصدي للتهديدات والمخاطر المحدقة بالمنطقة العربية والمواجهة الحازمة للتدخلات والتهديدات الخارجية.