أمل محمد أمين

نطالع في الصحف تقريباً كل يوم حوادث مؤسفة عن أزواج قتلوا زوجاتهن بعد سلسلة من الضرب المبرح، ويدعي بعض هؤلاء القتلة أن هذا في إطار ما شرعه الله سبحانه وتعالى، وهم يكذبون ويفترون على الله. فالإسلام لم يسمح بضرب الزوجة المبرح ولا إهانتها، بل وضّح هذا في حدود ضيّقة جداً، ونهى عنه في أكثر من موضع. وهل يسمح الإسلام بالضرب حتى القتل؟!!

حاشاه الله سبحانه وتعالى أن يُتيح هذا. ويحضرني في هذا الصدد كلمات شيخ الأزهر الشريف الإمام أحمد الطيب، التي قالها في إحدى المناسبات وأضح فيها موقف الإسلام من ضرب الزوجة، يقول فضيلته "إن كلمة «واضربوهن» في القرآن الكريم ليست أمراً مفتوحاً بضرب الزوجة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يشجعه ولم يمارسه أبداً في حياته، وبحسب الأصل هو محظور، ولا يأمر الشرع الزوج أن يستعمل الضرب بهذا المعنى القاسي، حتى في حالة النشوز، لكنه يُبيح له نوعاً منه استثناءً وبشروط وقيود، والفارق كبير بين الأمر والإباحة، وإذا لم يفعل الزوج فإنه يُشكر ويؤجر، والنبي صلَّى الله عليه وسلم قال: "خيركم من لا يضرب" فالضرب ليس واجباً، وليس فرضاً، وليس سُنَّة، وليس مندوباً بل هو أمر مباح في إطار معيّن وبمواصفات خاصة، وهناك قاعدة شرعية تقول: إنَّ لولي الأمر أن يقيّد المباح إذا رأى أن الناس يسيئون استخدامه واستغلاله، ويلحقون الضرر والأذى بالآخرين، ولا يوجد ضرر وأذى كالذي يُصيب الزوجة حال ضربها.

خصوصاً أن هناك وسائل كثيرة لحل المشكلات الزوجية بالحوار والتفاهم والمودة، ومعظم الزوجات حالياً على قدرٍ كبيرٍ من التعليم والثقافة والمعرفة، ولدينا منظومة تشريعيَّة متكاملة تصبّ جميعها في قوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف»، ويكفي أن نعلم أن الإسلام لا يُقرّ أبداً الإيذاء البدني بحق أسرى الحرب، فكيف بالله عليكم يُقرّه للمرأة أو يقبله للزوجات؟! ويوضّح فضيلته "إذا قال قائل.. "الضرب نص في القرآن" فالرد أنه جاء مباحاً وعلاجاً منزوعاً عنه كل احتمال للأذى والإيلام، وليس أمراً كما يفهمه المتسرعون، لكنه مباح وقد أعطانا الشرع حرية في التعامل معه، وجعل لولي الأمر حق التدخل في تقييده حين يترتَّب عليه ضرر استغلال وسوء فهم واستخدام".

كلمات لخصت الموقف وأزالت الشكوك والغموض حول موضوع مازال يُثير الجدل على الرغم من أن كل تعاليم الإسلام حثت على حسن معاملة الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبة القلبية، يقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمودة والرحمة بالزوجة وجعل خير الناس من يحسن إلى أهله، فقال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"، ومن جميل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الإحسان إلى الزوجة، أن إطعام الزوج لزوجته، ووضع اللقمة في فمها، ينال به صدقة، فقال: "إنك لن تنفق نفقة إلا أُجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"، كما قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، ومعنى "ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه" أي: لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء أكان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة، فالنهى يتناول جميع ذلك..

وأفاد الحديث أن للرجل أن يضرب زوجته ضرباً غير مبرح إذا وجد ما يدعو لذلك من مخالفتها وعصيانها وهذا كقوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فإذا تمرّدت المرأة على زوجها، وعصت أمره، سلك معها هذه الطرق الوعظ أو الهجر في المضجع، أو الضرب ويشترط في الضرب أن يكون غير مبرح. قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر. وقال عطاء: قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.. فليس الغرض إيذاء المرأة ولا إهانتها، ولكن إشعارها بأنها مخطئة في حق زوجها، وأن لزوجها الحق في إصلاحها وتقويمها لكن بالحسنى.