مشروع نقل المعارف

د.فهد حسين

كل المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية تعد برامجها ومشروعاتها راغبة في تنفيذها، غير أن العمل الثقافي ليس بناء خطط واستراتيجيات ورسم مشروعات على الورق، وإنما في الرؤية التي تضع هذه الخطط والمشروعات والبرامج واقعا ملموسا، وفي الوقت ذاته نؤمن أنه من الصعب الاتفاق وتوحيد الرؤى تجاه أي عمل معين، بل كلما توغل المعني بالشأن الثقافي في مشروعاته ومنجزه كلما دارت حوله التباينات في وجهات النظر، لكن ما لفت الأنظار هو مشروع نقل المعارف الذي خططت له معالي الشيخة مي آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، وتم تنفيذه بواسطة عالم من علماء الاجتماع البروفسور الطاهر لبيب الذي اختار بعناية فائقة طاقم العمل إداريا وفنيا من جهة، والمترجمين من جهة أخرى، مع المتابعة الإدارية والفنية من قبل سعادة الشيخة هلا آل خليفة المدير العام للثقافة والفنون، وهنا نتساءل: لم هذا المشروع بالذات؟

حين يطلع المتابع على أهداف المشروع يصل إلى قناعة مفادها أنه كلما تقدم العالم بعلومه وثورته التكنولوجية والاتصالية كلما أصبحنا بحاجة ملحة للترجمة التي لا تقف عند الشكل واللغة العادية، وإنما إلى الفكر والدلالات والمضامين المختبئة بين اللغة ومفرداتها، وهذا ما جاء في الكتب التي ترجمت وباتت متوافرة للقراء.

إن هذا المشروع اتفق على أهميته جل المثقفين في البحرين وعلى دوره في رسم خريطة للبحرين على صعيد الترجمة المحترفة، وطبيعة الحاجة إليها في سياق التغييرات والتحولات المختلفة معرفيا وثقافيا وفكريا على مستوى العالم، وفي الوقت نفسه لا أحد يختلف في دور حضارات الشعوب وثقافاتها التي يظل الإنسان بحاجته إليها طوال حياته، بل ربما البحث والتقصي لا يصله إلى غايته المنشودة، لهذا فمشروع نقل المعارف قصر المسافة الزمنية والمكانية وسهل الحصول على مادة غنية ثرية.

هناك مشروعات كثيرة ومتنوعة في العالم العربي سبقت هذا المشروع، تختص بالترجمة، من خلال المؤسسات الثقافية أم عبر دور النشر، لكن مشروع نقل المعارف مختلف، فنرى بحسب تلك الكتب التي ترجمت، عناية دقيقة جدا ورؤية واعية في عملية اختيار الكتاب التي تمثلت في طبيعة التجربة العلمية والخبرة المعرفية والتواصل الثقافي بحضارات الشعوب وثقافاتها، كما أن هذا المشروع لا شك يسهم في رفد الباحثين والأكاديميين والمثقفين عامة بعلوم شتى وفي تخصصات مختلفة، وقد ترجم المشروع أهدافه في تلك الكتب المهمة التي ترجمت وصدرت لتكون غذاء للراغبين في المعرفة الحقة والفكر الأصيل.

ولكن يبقى هذا المشروع في طابور الانتظار التسويقي الاحترافي داخل البحرين وخارجها بما يتوافق وحجمه ومكانته، وهنا يأتي دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ومنصات التواصل الاجتماعي في بيان أهميته الثقافية والفكرية والمعرفية.

فشكرًا معالي الشيخة مي آل خليفة وشكرا لسعادة الشيخة هلا آل خليفة لولادة مثل هذه المشروعات، ولمواصلتكما في تحقيق المزيد من دعم الثقافة في البحرين، وإيمانكما ببناء جسور حضارية ومعرفية وثقافية مع الآخر.