مريم بوجيري




أقرت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب مشروعاً بقانون يعاقب بالحبس أو بالغرامة من امتنع بدون عذر عن تمكين مستحق زيارة المحضون من زيارته.

من جانبها أشارت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف إلى أن المشروع يحقق الغاية والأهداف التي بني عليها من خلال تعزيز الحماية القانونية للطفل، ورعايته، وحمايته من سوء المعاملة، وأن يكون لمصالح الطفل الفضلى الأولوية، إلى جانب ضرورة التصدي لتعنت الحاضن، وامتناعه عن تمكين صاحب الحق في الزيارة من مباشرة حقه الطبيعي والشرعي في زيارة المحضون، ورؤيته وإشباع حاجاته النفسية والعاطفية والاجتماعية، الأمر الذي من شأنه أن يترتب عليه أضرار مباشرة بالطفل والأسرة.

كما بينت الوزارة أن مشروع القانون يأتي لسد الفراغ التشريعي بما يكفل تنفيذ الأحكام الشرعية الصادرة في هذا الخصوص، عبر إفراد نص تجريمي يعاقب كل من امتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بتنفيذ حكم الزيارة والحضانة، إلى جانب تحقيق التوازن بين الحق في الحضانة والحق في الزيارة، تحقيقاً للمصلحة الفضلى للمحضون في الحفظ والرعاية، وضرورة مجابهة حالات الامتناع بلا مبرر مقبول وعدم التقيد بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى تزايد البلاغات المقدمة إلى الدوائر الأمنية والمراكز الاجتماعية المختصة في شأن الامتناع عن تنفيذ أحكام الزيارة والحضانة بالصورة المقررة لها في الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة الموضوع ومحاكم التنفيذ الشرعية.

كما وطالب المجلس الأعلى للمرأة من جهته إعادة صياغة المادة لتصبح "يعاقب بالحبس أو بالغرامة الحاضن الذي يمتنع دون عذر مقبول عن تنفيذ حكم الزيارة"، لأن الصياغة الحالية تعاقب بالمطلق، وهو ما يثير عدة إشكاليات قانونية، إذ سيسمح النص بمعاقبة كل من امتنع عن تمكين مستحق الزيارة سواء كان الحاضن أو غيره، مما يجعل النص فضفاضاً وغير دقيق، بينما المقصود من النص معاقبة الحاضن الممتنع فقط، كما لم يحدد النص نطاق الالتزام المترتب على الممتنع، فهل يكون التزامه بالمطلق تجاه أي مستحق للزيارة، أم سيقتصر فقط على المستحقين للزيارة الذين حددهم حكم المحكمة الشرعية.

وأشار المجلس إلى وجود تبعات مترتبة على مشروع القانون هي:

‌أ. سيؤدي الاقتراح إلى إقحام المنازعات الأسرية في نطاق الجرائم وقانون العقوبات، مما قد يهدد نسيج الأسرة واستقرارها، ويؤثر سلباً على الوضع النفسي للطفل عندما يرى أنه كان سبباً في معاقبة أحد والديه أو دخوله إلى السجن.

‌ب. يثير الاقتراح إشكالية قانونية بتحديد الركن المادي والركن المعنوي لجريمة الامتناع عن تنفيذ الزيارة، فمن جهة اكتفت المادة بمعاقبة (من امتنع دون عذر عن تمكين مستحق زيارة المحضون من زيارته)، مما لا يعد كافياً في تحديد الركن المادي للجريمة، استناداً للمبدأ المستقر في التشريع الجزائي، فهذه الجريمة التي ترتكب بالامتناع لم يحدد فيها المقصود (بعدم تمكين مستحق الزيارة من زيارة المحضون)، فلو أصرت الحاضنة على تنفيذ الزيارة على منصة إلكترونية أو أي وسيلة تواصل اجتماعي، سيعد ذلك امتناعاً عن تمكين مستحق الزيارة من رؤية المحضون شخصياً. كما سيكون من الصعب إثبات الركن المعنوي للجريمة، المتمثل في توفر العمد باتجاه إرادة الجاني إلى الامتناع عن فعل التمكين. إذا لم تحدد المادة ما هي الأعذار غير المقبولة التي قد تساعد في إثبات الركن المعنوي للجريمة.

‌ج. سيفتح الاقتراح الباب أمام تعديلات أخرى كثيرة ممكنة في قانون العقوبات تتناول العديد من السلوكيات في الأسرة، كمعاقبة الزوج المتأخر عن تنفيذ النفقة الزوجية أو نفقة الأبناء.

‌د. سبق لقانون أحكام الأسرة رقم (19) لسنة 2009 أن نص في الفقرة (ج) من المادة (143) على أنه: "إذا امتنع الحاضن عن تنفيذ الحكم بالزيارة بدون عذر وبعد إنذاره من القاضي، يكون للمحكوم له بدلاً من طلب الحضانة أن يطلب من قاضي التنفيذ حبس الحاضن"، حيث إن هذا النص يتيح للقاضي حال امتناع الحاضن عن تنفيذ الحكم بالزيارة دون عذر نقل الحضانة إلى من يليه، كما إنه يمنح قاضي التنفيذ سلطة حبس الحاضن دون أن يجعل من الحبس عقوبة بالمعنى الوارد في قانون العقوبات، إنما كمجرد وسيلة إكراه بدني للضغط على الحاضن للامتثال للحكم، وعليه، كان القاضي يتمتع بسلطة كافية لإجبار الحاضن على تمكين مستحق الزيارة من زيارة المحضون، إلا أن النص الحالي في قانون الأسرة لم يكرس ذات الحل، وبالتالي فقد القاضي في النص الحالي أداتي ضغط مهمتين، وهما سلب الحضانة من الممتنع عن تنفيذ الزيارة وإمكانية حبس الممتنع من قبل قاضي التنفيذ.

‌ه. إن مقترح الوساطة في المنازعات الأسرية المقدم من معالي وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف سيساهم في التخفيف من حالات امتناع الحاضن عن تمكين مستحق الزيارة من زيارة المحضون، ومنح مزيد من الصلاحيات لقضاة المحكمة الشرعية لتسوية الخلاف بين الحاضن ومستحق الزيارة، ما يغني عن اللجوء لقانون العقوبات.

بينما اتفقت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مع أهداف المشروع بقانون حيث اعتبرت انه لا يتعارض مع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويحقق الموازنة المنشودة بين الحق في الحضانة والحق في الزيارة دون الاعتداء على أي منهما، تحقيقاً للمصلحة الفضلى للمحضون في الحفظ والرعاية.