سيد حسين القصاب

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات أسواق الطاقة، أظهر اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي قدرة لافتة على التكيف والنمو، مدفوعاً بجهود التنويع الاقتصادي وتوسع الاستثمارات في القطاعات غير النفطية. فقد عكست المؤشرات الصادرة عن المركز الإحصائي الخليجي للعام 2024 متانة اقتصادات دول المجلس، واستمرار زخمها في مواجهة التباطؤ في القطاع النفطي، إلى جانب استقرار معدلات التضخم وتحسن الإيرادات العامة. ويستعرض هذا التقرير أبرز المؤشرات الاقتصادية لدول مجلس التعاون خلال عام 2024، مستنداً إلى بيانات المركز الإحصائي الخليجي، حيث يغطي الأداء الاقتصادي العام، وتطورات القطاعات غير النفطية، ومعدلات التضخم، والإيرادات العامة، وحركة الأسواق المالية، ليقدّم صورة شاملة عن المسار الاقتصادي الخليجي وجهود التنويع المستمرة نحو اقتصاد أكثر استدامة وتوازناً.

وشهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول مجلس التعاون خلال عام 2024، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن المركز الإحصائي الخليجي، نمواً بنسبة 1.9% مقارنة بعام 2023، حيث ارتفع من حوالي 1,791.0 مليار دولار إلى 1,825.1 مليار دولار. ويأتي هذا النمو المعتدل في ظل تباين أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسة، إذ لعب القطاع غير النفطي دوراً محورياً في دعم النشاط الاقتصادي، بينما سجل القطاع النفطي، الذي يشمل أنشطة استخراج النفط والغاز والخدمات ذات الصلة، انكماشاً ملحوظاً خلال الفترة ذاتها.

وتشير متوسط التوقعات الصادرة عن المركز الإحصائي الخليجي إلى أن اقتصاد دول مجلس التعاون سيحقق معدل نمو قدره 2.8% خلال عام 2025، على أن تتسارع وتيرة النمو لتبلغ 3.7% في عام 2026، و4.3% في عام 2027، مدعومة بزيادة الاستثمارات في القطاعات غير النفطية وتوسع النشاط الاقتصادي الإقليمي.

ساهمت عدة قطاعات في دعم نمو الناتج المحلي الحقيقي خلال عام 2024، حيث حققت أنشطة النقل والتخزين معدل نمو بلغ 6.5%، تبعتها أنشطة الزراعة وصيد الأسماك بنسبة 6.4%، في انعكاس واضح لتنامي الاستثمارات في مجالات البنية التحتية، والنقل، والغذاء، خصوصاً ضمن مشاريع الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد. كما حققت خدمات الإقامة نمواً بمعدل 6.3%، ما يعكس ازدهار القطاع السياحي في دول مجلس التعاون.

وشهدت قطاعات التشييد والتجارة والأنشطة المالية معدلات نمو تراوحت بين 5.0% و5.5%، مدفوعة بالمشاريع العمرانية الكبرى، وزيادة الاستهلاك المحلي، والنشاط المصرفي. وفي المقابل، تراجعت مساهمة قطاع الصناعة الاستخراجية، الذي يشمل أنشطة استخراج النفط والغاز والخدمات ذات الصلة، بنسبة 3.7%، نتيجة لانخفاض أسعار النفط والإنتاج. أما القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، فقد حافظت على نمو مستقر، حيث سجل قطاع التعليم نمواً بنسبة 2.5%، وقطاع الصحة والعمل الاجتماعي بنسبة 2.9%، بما يعكس استمرار الاستثمار الحكومي في رأس المال البشري وتعزيز جودة الخدمات العامة.

وتشير توقعات المركز الإحصائي الخليجي إلى تباطؤ نمو القطاع غير النفطي خلال عام 2025 مقارنة بعام 2024م، بمعدل نمو متوقع يبلغ 3.5%، ومع ذلك، أوضح مركز الإحصاء الخليجي أنه من المرجح أن يتحسن الأداء خلال عامي 2026 و2027، مدفوعاً بتوسع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، لاسيما في قطاعات السياحة، والنقل، والتخزين، وتجارة التجزئة، مدعومة بمشروعات البنية التحتية التي تسهم في خلق بيئة جاذبة للاستثمار.

وفي إطار مواصلة دول مجلس التعاون تنفيذ استراتيجيات التنويع الاقتصادي، يُتوقع أن تشهد الفترة من 2025 إلى 2027 نمواً في قطاعات استراتيجية متعددة، من أبرزها الطاقة المتجددة، حيث تواصل الدول الخليجية ضخ الاستثمارات في مشروعات الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر وطاقة الرياح، بما يعزز الاستدامة البيئية، ويقلل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

كما يُنتظر أن يشهد قطاع التكنولوجيا والابتكار قفزات نوعية بفضل برامج التحول الرقمي وزيادة تبني التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل وإنترنت الأشياء، في حين يُتوقع أن يحقق قطاع الصناعات التحويلية نمواً متزايداً مدفوعاً بالاستثمارات الحكومية والخاصة، لا سيما في مجالات البتروكيماويات وصناعة السيارات والأغذية. ووفقاً للبيانات الأولية للمركز الإحصائي الخليجي، سجل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون بالأسعار الجارية نمواً معتدلاً في عام 2024، حيث ارتفع من نحو 2.276.0 مليار دولار في عام 2023 إلى 2,325.6 مليار دولار في عام 2024، بزيادة بلغت 49.6 مليار دولار، أي بنسبة نمو قدرها 2.2%. وبلغت مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 24.0% في عام 2024، بقيمة بلغت 559.1 مليار دولار، مقابل مساهمة القطاع غير النفطي بنسبة 76.0% وبقيمة بلغت 1,766.4 مليار دولار.

واستمرت أنشطة الصناعة الاستخراجية، التي تشمل استخراج النفط والغاز والخدمات ذات الصلة، في تصدر قائمة الأنشطة الاقتصادية، حيث بلغت قيمتها 564.9 مليار دولار، ما يمثل 24.3% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لدول مجلس التعاون، رغم انخفاضها عن مستوياتها في عام 2023، تلاها قطاع الصناعة التحويلية بقيمة 295.1 مليار دولار، أي بنسبة 12.7% من الناتج المحلي، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات بنسبة 9.4%.