اعترف عدد من الجنود والضباط الإسرائيليين، الذين قاموا بمهمات قتالية في قطاع غزة، بأنهم أقدموا على قتل فلسطينيين أبرياء مع أنهم كانوا يعرفون أنهم مدنيون وليسوا أعضاءً في «حماس» وليسوا إرهابيين، بل تم قتل أطفال أيضاً، بدعوى أنهم إرهابيون وهم يعلمون جدياً أنهم أبرياء.
ففي تحقيق صحافي أجراه ينيف كوفوفيتش، ونشرته صحيفة «هآرتس»، الخميس، جاء فيه أن قوات الاحتلال المرابطة على محور «نتساريم»، رسموا خطاً واهياً، وقرروا حكم الموت على كل من يجتازه، بغض النظر إن كان ذلك شخصاً ممن يضلون طريقهم ويكونون غير مسلحين، أو كانوا يركبون على دراجات هوائية.
وقد اعترف الجنود في التحقيق بأنهم أطلقوا الرصاص بغرض القتل، وتحدثوا لصحيفة كيف يتم لديهم اعتبار أي فلسطيني قتيل مخرباً، حتى لو كان طفلاً. وقال قائد في الفرقة «252»: «هناك شيء يسمى لدى القوات بـ(منطقة خط الجثث).
بعد إطلاق النار، لا يجري جمع الجثث على الفور، والكلاب تأتي لنهشها. في غزة يعرفون أنه أينما توجد الكلاب فإن هذا هو المكان الذي يجب أن يهربوا منه».
ويضيف التحقيق: «عرض ممر نتساريم هو 7 كم، وهو يبدأ قرب كيبوتس بئيري، وينتهي بخط الشاطئ الذي احتله الجيش الإسرائيلي.
لقد تم إجلاء السكان من كل المنطقة، وتم هدم البيوت من أجل رسم الشوارع، وإقامة مواقع عسكرية. رسمياً، دخول الفلسطينيين غير ممنوع كلياً، لكن الحديث لا يدور عن دعوة السكان إلى العودة.
«هذه مغسلة كلمات للجيش»، قال ضابط كبير في الفرقة «252»، الذي كان في السابق في 3 جولات احتياط في غزة. «عملياً، قائد الفرقة رأى هذه المنطقة منطقة قتل... من يدخل يتم إطلاق النار عليه».
ويقول ضابط آخر في الفرقة نفسها، أنهى مؤخراً خدمة الاحتياط: «من ناحية الفرقة، فإن مجال القتل هو منطقة تصويب للقناص»، لكن الحديث لا يدور فقط عن مكان يُقتلون فيه، بل أيضاً هوية القتلى.
«نحن هناك نقتل مدنيين، ويتم اعتبارهم مخربين»، قال. وهذا الضابط غير نادم لأنه في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ارتدى الزي العسكري، (وذهب إلى حرب عادلة)، ولكن مهم له أن الصورة التي تلقاها المواطنون يجب أن تكون كاملة.
«لقد حان الوقت لأن يعرف الجيش الإسرائيلي كيف تبدو الحرب. أي أفعال خطيرة تجري على يد بعض القادة والجنود في الداخل. وأي مشاهد غير إنسانية نراها هناك».
ويروي جندي آخر: «الأمر كان الحفاظ على المنطقة نظيفة: كل من يمر في الجسر، ويدخل منطقة الممر يجب أن يتلقى رصاصة في رأسه. هذه هي الأوامر. ذات مرة، الأصدقاء الذين كانوا في الحراسة لاحظوا شخصاً يقترب من جهة الجنوب.
نحن قفزنا كأن هذا اقتحام لعشرات المخربين. صعدنا إلى المواقع، وببساطة مزقناهم. أنا أتحدث عن عشرات الرصاصات وربما أكثر.
خلال دقيقة أو دقيقتين أطلقنا النار على الجثة. كان بجانبي أشخاص مجرد أطلقوا النار، وضحكوا».
وقال: «الحدث لم ينتهِ هنا. توجهنا نحو الجثة المضرجة بالدماء، قمنا بتصويرها وأخذنا الهاتف. كان شاباً ابن 16 سنة ربما».
وحسب أقواله، فقد جاء إلى المكان ضابط استخبارات وجمع المعلومات وبعد بضع ساعات عرف الجنود أن هذا الفتى ليس من نشطاء «حماس»، بل مجرد طفل.
في المساء جاء قائد الكتيبة وقال: «كل الاحترام لأننا قتلنا مخرباً، وقد صلى من أجل قتل 10 مخربين في الغد».
وعندما أشار أحد ما بأنه لم يكن مسلحاً، ويبدو أنه مجرد مدني، الجميع صرخوا فيه وقائد الكتيبة قال: «بالنسبة لي، كل من يجتاز الخط هو مخرب. لا يوجد تهاون. لا يوجد مدنيون. الجميع مخربون».
هذا حقاً أصابني بالصدمة. «هل من أجل ذلك تركت البيت، وذهبت للنوم في بيت فيه فئران؟ هل من أجل إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين؟»، تساءل الجندي.
ويورد مقاتل آخر خدم في المنطقة هذه القصة: «أعلنوا في مكبر الصوت بأنه يوجد مخربون. أنا صعدت إلى التلة، وقمت بالحماية. دبابة توجهت نحوهم. كانوا 4 غير مسلحين، ويسيرون مشياً على الأقدام. لا يظهرون بوصفهم مخربين. الدبابة تقدمت نحوهم وبعد ذلك بدأ إطلاق النار.
لقد أطلقوا عليهم الرصاص من مدفع «الماغ»، مئات الرصاصات. 3 قُتلوا على الفور (مشهد الجثث لا يخرج من ذهني)، الرابع بقي على قيد الحياة بطريقة ما ورفع يديه.
لم يسمحوا له بالذهاب. أخذناه إلى قفص، ووضعناه قرب الموقع، خلعوا ملابسه وأبقوه هناك»، وصف الجندي.
«جميع الجنود مروا قربه وبصقوا عليه. هذا كان مقرفاً. في النهاية جاء أحد المحققين مع المعتقلين من 504، وسأله أسئلة عدة في الوقت الذي كان يصوب فيه المسدس نحو رأسه.
حقق معه بضع دقائق، وبعد ذلك أمر الضباط بإطلاق سراحه.
لقد تبين أن هذا الفلسطيني بالإجمال أراد الوصول إلى أعمامه في شمال القطاع. بعد ذلك الضباط قاموا بعمل إحاطة لنا، وقالوا إن أداءنا كان جيداً؛ لأننا قتلنا مخربين. أنا لم أفهم عما كانوا يتحدثون»، تذكر الجندي.
بعد يوم أو يومين كما يقول، جاءت إلى هناك جرافة، ودفنت الجثث تحت الرمال.
«أنا لا أعرف هل يتذكر أي أحد أنهم هناك. هذا الأمر الذي لا يعرفه الناس. هذا الأمر لا يقتل فقط العرب، بل يقتلنا أيضاً. إذا قاموا باستدعائي مرة أخرى إلى غزة أعتقد أنني لن أذهب».
يُذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يعط رداً على ما جاء في هذا التحقيق.