السفر عبر الفضاء يعد من أعظم الإنجازات التكنولوجية التي حققها الإنسان، ومع تقدم برامج الفضاء وزيادة الاهتمام بالسفر إلى كواكب أخرى، مثل المريخ، أصبح من الضروري دراسة تأثيرات هذا السفر على جسم الإنسان.

الرحلات الفضائية تتضمن بيئة غير طبيعية تمامًا بالنسبة لجسم الإنسان، والتي قد تؤثر على الصحة البدنية والعقلية للمسافرين، و في هذا المقال، سنستعرض تأثيرات السفر عبر الفضاء على جسم الإنسان وكيفية تأثير بيئة الفضاء على وظائفه الحيوية.

1. تأثير انعدام الجاذبية:

أحد أكبر التحديات التي يواجهها رواد الفضاء هو انعدام الجاذبية أو "الجاذبية الصغرى" في الفضاء، في هذه البيئة، يتعرض الجسم لعدد من التغيرات الفسيولوجية.

فعلى سبيل المثال، تقل كثافة العظام والعضلات بشكل ملحوظ بسبب غياب الجاذبية التي عادةً ما تحفز الجسم على الحفاظ على قوتها. يمكن أن يؤدي هذا إلى هشاشة العظام وفقدان الكتلة العضلية.

وقد أظهرت الدراسات أن رواد الفضاء يعانون من فقدان كثافة العظام بمعدل يصل إلى 1-2% في الشهر أثناء وجودهم في الفضاء.

وللحد من هذه التأثيرات، يقوم رواد الفضاء بممارسة تمارين رياضية منتظمة على أجهزة خاصة تم تصميمها لتقليد تأثيرات الجاذبية.

2. التغيرات في الدورة الدموية:

في الفضاء، يعاني النظام الدوري من تغييرات أيضًا بسبب نقص تأثير الجاذبية على الدم. عادة، يسحب الجاذبية الدم إلى أسفل الجسم، ولكن في بيئة الفضاء، يبقى الدم موزعًا في جميع أنحاء الجسم، مما قد يؤدي إلى تغيرات في ضغط الدم والتورم في بعض المناطق، مثل الوجه. كما قد يعاني بعض رواد الفضاء من "الاحتقان" في العينين بسبب تجمع السوائل في الرأس.

ويتم توفير أدوات ومعدات طبية متخصصة لمساعدة رواد الفضاء في مراقبة ضغط الدم وحالة الدورة الدموية بشكل دوري.

3. التأثيرات النفسية والعقلية:

السفر عبر الفضاء لا يقتصر فقط على التأثيرات الجسدية، بل يتضمن أيضًا تحديات نفسية. العزلة، والإحساس بالوحدة، والغربة عن الأرض قد تؤثر على الصحة العقلية للرواد.

علاوة على ذلك، قد تؤدي الظروف المحيطة، مثل ضيق المساحة أو ساعات العمل الطويلة، إلى زيادة مستويات التوتر والقلق. من المعروف أن تأثيرات مثل هذه قد تضعف التركيز وتزيد من خطر الأخطاء أو الحوادث.

ولحماية الصحة النفسية، يتم تدريب رواد الفضاء على التعامل مع الضغط النفسي، وتوفير أنشطة للتسلية والتفاعل الاجتماعي مثل التواصل مع الأسرة أو زملائهم في الفضاء.

4. التأثيرات على الجهاز المناعي:

تعتبر البيئة الفضائية بيئة غير طبيعية، وقد أظهرت الدراسات أن رواد الفضاء يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض بسبب تأثيرات الإشعاع الفضائي وضعف جهاز المناعة. الإشعاع الفضائي يمكن أن يسبب تلفًا في الحمض النووي وقد يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض. الجهاز المناعي أيضًا قد يصبح أقل قدرة على الاستجابة للأمراض والفيروسات بسبب تأثيرات الفضاء على خلايا الدم البيضاء.

ويتم تقديم نظام غذائي خاص للرواد يحتوي على مضادات أكسدة وفيتامينات لتعزيز جهاز المناعة، بالإضافة إلى دراسة مستمرة لتأثيرات الإشعاع وكيفية وقاية الرواد منه.

5. التأثيرات على حواس الإنسان:

في الفضاء، يعاني الإنسان أيضًا من تغييرات في حواسه. على سبيل المثال، يمكن أن تتأثر حاسة التوازن في بيئة الجاذبية الصغرى، حيث يصبح من الصعب على الرواد تحديد الاتجاهات.

كما يمكن أن تتأثر حاسة البصر، حيث يعاني البعض من تغييرات في الرؤية مثل رؤية ضبابية أو تغيرات في شكل العين بسبب تجمع السوائل.

ويستخدم رواد الفضاء تقنيات تدريبية لتعزيز قدراتهم على التكيف مع البيئة الفضائية، وتوفير مراقبة طبية دورية لحواسهم.

السفر عبر الفضاء يطرح العديد من التحديات الجسدية والنفسية التي يجب على رواد الفضاء التكيف معها. ولكن بفضل التطور التكنولوجي والبحث المستمر، يتم تطوير وسائل لمواجهة هذه التأثيرات، مثل برامج التمارين الرياضية المتخصصة، والأدوات الطبية المتقدمة، والتدريب النفسي.

حيث إن فهم تأثيرات الفضاء على جسم الإنسان يعد أمرًا أساسيًا من أجل ضمان صحة وسلامة رواد الفضاء خلال مهماتهم المستقبلية في استكشاف الكواكب الأخرى.