إذا مررت يومًا بمَراسم فن تشكيلي، أو شاهدت فنانًا في مرسمه، فقد تلاحظ شيئًا مشتركًا وهو أن كثير من الرسامين المحترفين يرتدون ملابس بيضاء، وغالبًا ما تكون عبارة عن معطف أو قميص فضفاض، وهذا المشهد يدعو للتساؤل: لماذا الأبيض تحديدًا؟ أليس من المنطقي أن يرتدوا ألوانًا داكنة تُخفي البقع؟، في الحقيقة وراء هذا الاختيار أكثر من سبب، يجمع بين العملية والرمزية وإليك أبرزها.
أولا: الأبيض اللون العملي للرسام
يرصد البقع بوضوح
الملابس البيضاء تُظهر أي بقعة من الطلاء مباشرة، وبالرغم أن ذلك قد يبدو عيبًا، لكنه مفيد جدًا للرسام، فعندما يعرف تمامًا مكان وجود البقع، يمكنه تجنب نقلها عن طريق الخطأ إلى اللوحة أو لمسها مجددًا كما إنها طريقة ذكية للتحكم في الفوضى.
لا يؤثر على إدراك الألوان
الرسام يحتاج إلى رؤية الألوان بأعلى درجات الدقة واللون الأبيض لا يعكس أي صبغة لونية على اللوحة أو البيئة المحيطة، بعكس الألوان الأخرى التي قد تلوّن الجو من حول الرسام وتؤثر على توازن الألوان في العمل الفني.
يمكن تبييضه بسهولة
الملابس البيضاء، خاصة إن كانت من القطن، يمكن غسلها بمبيضات قوية دون القلق من تغير لونها وهذا يُسهل تنظيفها وتجديد مظهرها مقارنة بالملابس الملونة.
ثانيًا: المعطف الأبيض رمز الحرفة
تشبه الطبيب أو العالم
في بعض الثقافات، يُشبه الرسام المحترف بالعالِم أو الجراح فكل منهم يعمل في مجاله بدقة وتركيز، مستخدمًا أدواته الخاصة لذا فإن ارتداء المعطف الأبيض يُضفي على الفنان هالة من الجدية والاحتراف، وكأنه يقول: "أنا هنا أمارس فنًا دقيقًا، وليس مجرد هواية عشوائية."
إرث فني قديم
في مدارس الفن القديمة بأوروبا، كان يُطلب من الطلاب ارتداء مريول أبيض عند الدخول إلى مراسم الرسم، خاصة في الأكاديميات الكلاسيكية ومع الوقت، أصبح هذا تقليدًا وشكلًا من أشكال الهوية البصرية للفنانين.
ثالثًا: الأبيض كرمز نفسي
لون البداية والنقاء
في علم النفس، اللون الأبيض يُعبّر عن بداية جديدة، وعن الصفاء، وعن لوحة بيضاء تنتظر أن تُكتب عليها قصة، ولهذا قد يفضّل بعض الفنانين ارتداء الأبيض أثناء عملية الخلق الفني، كأنه امتداد للوحة التي يعمل عليها.
مساحة للتعبير
بعض الفنانين يعتبرون ملابسهم البيضاء "سجلًا بصريًا" لمسيرتهم الفنية، حيث تُصبح البقع واللطخات جزءًا من الذاكرة، و"خريطة لونية" تمثل تجاربهم السابقة.
