حرص الإسلام على بناء أسرة سليمة خالية من الشوائب التي تعكر صفو الحياة لضمان ترابط وتماسك المجتمع، ولعل تلك اللبنة الأساسية التي حرص الإسلام على توطيدها في المجتمع هي العلاقة بين الزوجين، حيث إن الزواج يعتبر وثاقًا مقدسًا ليس مجرد عقد يجمع بينهما.
فكما نعلم أن الكون يسير وفق منهج علمي والإسلام مبني على ركائز أساسية سليمة لذا فإنه لم يغفل عن وضع أسس جوهرية بناءة مبنية على المودة والرحمة ومراعاة حقوق كلا الطرفين.
غلف الإسلام العلاقة الزوجية بحقوق واجبة على الزوج تجاه زوجته، فتلك الحقوق ليست منّة أو تفضلّا لكنها واجبات ملزمة على الزوج تقع على عاتقه ضمن مسؤولياته الأسرية، فتطبيق تلك الحقوق ليس واجبًا أخلاقيًا ودينيًا فحسب، بل يمتد أثره إلى كونه ضرورة مجتمعية تضمن خلق أجيال أسوياء في بيئة مفعمة بالاستقرار.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على حقوق الزوجة على زوجها لبناء أسرة متماسكة وتحقيق السكينة والأمان في الحياة الزوجية.
حقوق الزوجة على الزوج
إن الأصل في العلاقات الزوجية المودة والرحمة والسكينة تحقيقًا للمخطط الإلهي، لذا فقد وضع الإسلام حقوق للزوجة وقسمها إلى حقوق مالية تشمل المهر والنفقة والسكن، وحقوق غير مالية تشمل عدم الإضرار بها والعدل والمعاشرة بالمعروف.
الحقوق المالية
ألزم الإسلام الزوج بحقوق تجاه زوجته لبناء بيت سليم يملؤه بالمودة والرحمة، ومنها الحقوق المالية الواجبة على الزوج، والتي تكمن فيما يأتي:
المهر
رفع الإسلام من مكانة المرأة وعزز من كرامتها وشأنها، لذا فإن من أهم حقوق الزوجة على زوجها هو المهر حيث إنه المال الذي تستحقه المرأة من زوجها بالعقد عليها لقول الله تعالى: "وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةٌ".
ولكن لا بد أن تعلم أن المهر ليس شرطًا في عقد الزواج ولا ركنًا عند جمهور العلماء، فإن تم العقد بدون المهر صح ذلك باتفاق جمهور الفقهاء، لقول الله تعالى: "لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة".
النفقة
أوجب الإسلام على الزوج الإنفاق على زوجته وتوفير جميع احتياجاتها وتلبية متطلباتها من مسكن وطعام وكسوة.
فكما نعلم أن الزوجة ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية دون إذن زوجها لذا عليه أن ينفق عليها ويوفر متطلباتها بموجب عقد الزواج، لقول الله تعالى: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ".
السكنى
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يهيئ لها مسكنًا مناسبًا على حسب قدرته وسعته، لقول الله تعالى: "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ".
الحقوق غير المالية
تتنوع الحقوق غير المالية الواجبة للزوجة ما بين العدل بين الزوجات وحسن المعاملة وإطعامها وكسوتها وعدم الإضرار بها، وسوف نوضحها لكم فيما يأتي.
الإطعام والكسوة
الإسلام هو دين العدل والحكمة، فلأن الزوجة ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية بدون إذن زوجها فإنه ألزم الرجل بضرورة إطعامها وكسوتها، ولكن بالحدود المعتدلة المتطابقة مع الشريعة الإسلامية، لقول الله تعالى: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ".
ولكن لا بد أن يعلم الزوج أنه يجب إطعام زوجته بأموال حلال ليس فيها معصية لله عز وجل، فلم يكلف الشرع الزوج بإطعامها فوق استطاعته ولكن بقدر ما أعطاه الله، لذا فإن الصحابيات كن يخاطبن أزواجهن ويذكرنهم قبل مغادرة المنزل بالمال الحلال، فكن يقلن: "يا فلان، نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام".
العدل بين الزوجات
إن كان للزوج أكثر من زوجة فعليه أن يعي جيدًا حق زوجته عليه من التسوية بينها وبين زوجاته الأخريات، من حيث النفقة والمبيت والكسوة.
حسن المعاملة والعشرة
النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- هو أعظم الرجال وخير من يقتدى به في التعامل مع النساء، فمع انشغاله في الدعوة إلى دين الله- عز وجل- وكثرة الغزوات حينها، فإنه لم ينسَ أبدًا التوصية بالنساء وحسن معاملتهن ومعاشرتهن، وأفضل ما قيل عن حق المرأة تلك الكلمات التي قالها النبي- محمد صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع، حينما قال: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
عدم الإضرار بالزوجة
ليس غريبًا على الإسلام أن يمنع الرجل من الإضرار بزوجته وعدم أذيتها فهذا من أصول الدين الحنيف، فإن كان إيذاء الأجانب محرمًا على الإنسان فإن الأولى تحريم إيذاء الزوجة وعدم ضربها ضربًا مبرحًا، حيث قال النبي- محمد صلى الله عليه وسلم- "لا ضرر ولا ضرار".