من القصص القرآنية العميقة التي تحمل دروسًا عظيمة في الصبر والتواضع وطلب العلم، قصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح الخضر، والتي وردت في سورة الكهف، فعلى الرغم من مكانة موسى العظيمة ككليم الله وحامل التوراة، لم يتردد في السعي وراء العلم حين أخبره الله بوجود من هو أعلم منه في بعض الأمور.

هذه القصة الخالدة تُبرز كيف أن العلم الحقيقي لا يقف عند أحد، وأن وراء كل فعل حكمة قد تخفى على البشر، ومن المواقف اللافتة فيها، مشهد العصفور الذي نقر نقرة في البحر، ليكون رمزًا بليغًا على ضآلة علم البشر مقارنة بعلم الله اللامحدود.

قصة سيدنا موسى والخضر

في أحد الأيام وقف سيدنا موسى خطيبًا في الناس فسألوه عن أكثر أهل الأرض علمًا فأخبرهم بأنه أعلم من في الأرض فعاتبه الله عز وجل لأنه لم ينسب الفضل إليه وأخبره بأنه يوجد رجل صالح في مجمع البحرين هو أعلم منه فسأله موسى عن كيفية الوصول إليه فأمره بأن يخرج ويأخذ معه حوتًا في مكتل وعندما يفقد الحوت فسيجد الرجل الصالح.

وبالفعل انطلق سيدنا موسى عليه السلام مع فتاه يوشع بن نون ولكن حينما وصلا إلى الصخرة غلبهما النعاس فناما وخرج الحوت من المكتل وهرب في البحر، لكن بقدرة الله عز وجل منع المياه من الجريان في المكان الذي هرب الحوت فيه حتى لا يمحى أثره.

علم موسى بهروب الحوت

ولما استيقظ موسى عليه السلام لم يتفقد الحوت ولما تخطى المكان الذي أمره الله بالوقوف فيه شعر بالجوع والتعب فطلب من فتاه الطعام، وحينما اكتشف أمر الحوت فعادا إلى المكان مرة ثانية ليجد العبد الصالح هناك.

موسى يقابل الخضر

ولما رأى سيدنا موسى الخضر علم أنه العبد الصالح وأخبره بأنه أتاه ليتعلم منه، وقال الله تعالى: «قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا * قال إنك لن تستطيع معي صبرًا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا»، لكن أصر سيدنا موسى عليه السلام أن يصاحبه وأخبره بأنه لن يخالف أمره فوافق الخضر لكنه اشترط عليه بألا يسأله عن أي شيء، فقال الله تعالى: «قال ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا * قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا».

قصة سيدنا موسى والخضر.. ما سر العصفور الذي شرب من البحر؟
play icon
قصة سيدنا موسى والخضر

الخضر يخرق السفينة وموسى يعترض

وحينما بدأ المسير على ساحل البحر مرت بهما سفينة من فيها يعرفون الخضر فأخذوهما معهم بدون أجرة، لكن اندهش سيدنا موسى حينما اقتلع الخضر أحد ألواح السفينة وأنكر فعلته التي يتنافى مع الإحسان الذي قدمه الناس، إذ قال الله تعالى: «فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا»، وذكره الخضر بالشرط فاعتذر موسى عليه السلام، قال الله تعالى: «قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا».

وأثناء وجودهما على السفينة، حطّ عصفور صغير على حافتها، ثم نقر نقرة خفيفة في البحر ليشرب منه. فالتفت الخضر إلى موسى عليه السلام وقال: "ما علمي وعلمك في علم الله إلا كمثل ما أخذ هذا العصفور من البحر".

وقد ورد هذا المعنى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليجسد عظمة علم الله تعالى واتساعه، وضآلة ما يعلمه البشر مهما بلغ علمهم، حيث قال النبي صلى الله عليه: «وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر».

موسى يستنكر قتل الغلام

ولما نزل موسى والخضر من السفينة مشيا على الساحل حتى رأى الخضر غلامًا يلعب مع أصدقائه فاقتلع رأسه وقتله، فهرول إليه سيدنا موسى مسرعًا يستنكر فعلته، قال الله تعالى: «قال أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جئت شيئًا نكرًا»، وللمرة الثانية يذكره الخضر بشرطهما فاعتذر موسى وأخبره بأنه إذا اعترض على شيء آخر فلا يصاحبه، قال تعالى: «قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا».

ماذا حدث بين موسى والخضر في القرية؟

وسار موسى والخضر حتى وصلا إلى قرية رفض أهلها تقديم الضيافة لهما، فلما رأى الخضر جدارًا مائلًا أوشك على السقوط أقامه مرة ثانية وقال له موسى لو أنه أخذ أجر مقابل ذلك لتمكنا من شراء الطعام، فحينها أخبره الخضر بأنه قد حان وقت فراقهما وأوضح له الحكمة من الأفعال التي استنكرها عليه.

الخضر يوضح لموسى سبب أفعاله

وأوضح الخضر قصة السفينة وأنها كانت لمساكين يعملون في البحر وكان يوجد ملك ظالم يأخذ السفن عنوة من الناس لذا اضطر أن يجعل فيها عيبًا ليتركها الملك لأصحابها، أما الغلام الذي قتله فلأنه كان جاحدًا بالله عز وجل وكان أبواه مؤمنين فخشي أن يتبعاه في دينه لذا أراد الله عز وجل أن يرزقهما بابن أفضل منه.

واستطرد الخضر حديثه بأمر الجدار الذي أصلحه بأن أسفله كنز ليتيمين يعيشان في المدينة فأراد الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لهما كنزهما لأن أبوهما كان صالحًا وفي هذا دليل على أن الله يتكفل لحفظ ذرية عباده الصالحين، وحينها أخبره الخضر بأنه ما فعله ما كان إلا أمرًا من الله عز وجل.