استوقفني حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخاطب فيه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «يا عبدالله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل». ففي الحديث الشريف تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم بترك المسلم لعبادات وأثر اعتاده لفترة طويلة، ودعوة بأن يحافظ على ما اعتاده من فعل الخيرات والطاعات، وألا يفتر فيها أو يقطعها، ففي هذا المسلك خطورة على استقامة المرء بأن يألف «الفتور والتقصير» وينغمس في هوامش العيش على حساب الغاية الأسمى من خلق الإنسان وهي خلافة الله عز وجل في الأرض وعبادته وطاعته والقيام بأعمال الخير الجليلة وترك أجمل الأثر في مناحي الحياة.

من طبيعة الإنسان ألا يأخذ أمور الطاعات بعزم وجدية، وبخاصة أنها تحتاج إلى الصبر والمصابرة، مقابل تلك الساعات الطوال التي يقضيها في كد الحياة ولذائذها. ويتفوق هنا ذلك المؤمن الصابر الذي اعتاد أن يكون فرساناً في ميدان الطاعات والعبادات، محافظاً على واجباته العبادية، مؤثراً في مساحات حياته، فأثره يتنقل في كل ميدان تطأ فيه قدمه. وفي كلتا الحالتين حري أن يحافظ المؤمن على المخزون الإيماني الذي يثبته في حياة متقلبة وأيام متسارعة وفتن متعددة، فيتوازن في أمور حياته ويحافظ على عبادته وإخلاصه وصدق نواياه وإنسانيته وأخلاقه العالية بالقدر الدائم الذي لا يتزعزع ولا يتغير إلا في تلك الظروف القاهرة التي يجب أن يعتبرها مجرد استراحة يتجدد فيها إيمانه ويعود بعدها أقوى مما سبق.

إن الصبر على الطاعة واعتياد الأثر الجميل بدون انقطاع هو السلاح المؤثر في استمرار المؤمن على طريق الاستقامة في مسير الحياة. قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون». قال الحسن البصري: «أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام». وأما المرابطة كما ورد في تفسير الآية فهي المداومة في مكان العبادة والثبات فيها كإسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وغيرها من سائر الطاعات. ويقول ابن القيم رحمه الله: «الصبر على الطاعة أعلى مقاماً من الصبر على البلاء، لأن الصبر على الطاعة صبر اختيار، والصبر على البلاء صبر اضطرار».

هنا لنتذكر مقولة: «لا تكن مثل فلان». فلا تغفل عن حياة العبادة والقرب من الله عز وجل، واجعل حياتك كلها لله، تسير فيها مبتغياً رضاه، وتصنع الأثر في كل خطوة تخطوها. فلا تترك تلك العبادات التي تعودتها في رمضان، ولا تترك تلك الأسرة المحتاجة التي اعتدت أن توصل إليها لقمة تسد بها رمقها. ولا تترك زكاة علم تعلمته وبخلت أن يكون أثره ممتداً لأناس هم بحاجة لتعلمه. ولا تترك تلك الكلمات التي اعتدت أن تكتبها في سماء الخير، ولا تلك الركيعات التي اعتدت قيامها قبل أن تنام، ولا التلذذ بقراءة آيات السكينة والطمأنينة، ولا صيام تلك الأيام التي ترفع فيها الأعمال إلى الله. ستكون في سعادة وتوفيق دائم متى ما ارتقيت في سلم اعتياد الخيرات، وما أكثر أبوابها ومساحاتها إن أحسنت ارتيادها.

ومضة أمل

لنراجع أيام حياتنا ونتفكر في ذلك القرب الآمن من الطاعات.. فإن أحسنا أحسنا لأنفسنا.