مع التدفق الهائل من المعلومات اللامتناهية في فضاء «الإنترنت» المفتوح، ومع وجود آلاف القنوات التلفزيونية والفضائية والإخبارية، ومعها ملايين مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن بقية الوسائل المسموعة والمكتوبة، حينها، سيكون الحصول على المعلومة الحقيقية والصحيحة أمراً في غاية التعقيد.

اليوم، يستطيع كلٌّ منَّا أن يفتح له موقعاً أو حساباً لنشر الأخبار والمعلومات، وبهذا سيمتلك الفرد «صحيفته» الخاصة التي يستطيع من خلالها نشر ما يود نشره، وبث ما يرغب بثه، وكتابة ما يحلو له كتابته. وفي ظل هذا الكم الهائل من تدفق المعلومات، ومع صعوبة مراقبة كل هذا الفضاء العظيم، ستضيع غالبية الحقائق، وسيظل البشر في «حيص بيص»، فلا يعلمون حينها ما هو الصحيح من الأخبار، وما هو الكاذب منها.

لهذا، ولمعالجة هذا الملف الشائك، وجب التركيز على مجموعة من النقاط، لابد أن نوجهها لكل من يحاول البحث عن الحقيقة، في مقابل عدم المساهمة في نشر الكثير من الأكاذيب والمعلومات المضللة.

بداية، يجب أن نتوقف عن نشر أي معلومة تصلنا حتى ولو كانت تافهة، إلا بعد التأكد منها ومن صحتها، وأن تقف المعلومات عندنا دون محاولة نشرها، إلا إذا كانت صحيحة تماماً ومفيدة، بل علينا أن لا ننشر كل ما يقع في أيدينا من معلومات، حتى ولو كانت مؤكدة، وذلك من أجل المحافظة على سلامة وأمن وأفكار المجتمع. وأن لا نكون جهة مُساهمة في نشر الفوضى الإعلامية من حيث لا نشعر.

من جهة أخرى، يجب أن نصنف المواقع التي تتدفق منها المعلومات، وأن نعرف جيداً أن منها من يمتلك المصدر الحقيقي لها، وهناك الكثير ممن لا مصادر صادقة لمعلوماتهم التي يروجون لها. الأمر الآخر والمهم، هو ضرورة أن نملك مصفِّيات أو «فلاتر» خاصة بنا، لتنقية وتمحيص كل ما نستقبله من معلومات هائلة، وتقوية هذا الجهاز المناعي العقلي من خلال الإدراك والوعي والقراءة من مصادرها العلمية، ليكون كل ما يصل لأذهاننا حقيقة صادقة وليس مجموعة من الشائعات أو الخرافات أو الأكاذيب. إن أخطر ما في الأمر كلّه، هو في شراسة التداعيات المحتملة من نشر المعلومات والأخبار المضَلِّلَة على المجتمع وعلى نفسية الأفراد. فالمعلومات الكاذبة، والتقارير المزيفة، والأخبار المُبالَغ فيها بكل أنواعها، ستخلق لنا مجتمعات قلقة، وستبث الذعر والخوف في أفئدة الناس، وستزداد فرص الأمراض النفسية، كالاكتئاب والوسواس والخوف والقلق وغيرها. بينما لو تم التعامل مع كل هذا الكم الهائل من المعلومات المتدفقة بشيء من الحكمة والوعي والرصانة، لما وصلت مجتمعاتنا البشرية من الفوضى إلى ما وصلت إليه اليوم.

إن الحل في أيدينا، والخلل فينا، وليس في الفضاء المعرفي، ولا في التكنولوجيا التي لابد أن نُحسن استخدامها لننجو.