يُلقي غيابُ أصواتِ المثقفين عن الحراك اليوميِّ للمجتمعِ بظلاله السَّلبية على الحياة الاجتماعية والسياسية، وخصوصاً في ظل الارتفاع المتزايد للأصوات الباهتة البعيدة عن أيِّ دور عقلانيِّ فاعلٍ ومؤثرٍ.
أسماء كبيرة من المثقفين تتوارى اليومَ عن السَّاحة، فتبتعد عن الإعلام والصَّحافة، أو تبتعد عنهم الصَّحافة والإعلام، ما أدى إلى حرمان المجتمع من التأثير الفاعل للفكر المستنير والخبرات المهمّة، في وقت يحتاج فيه المجتمعُ إلى كلّ صوتٍ عاقل وإلى كلِّ فكرٍ جادٍّ، للحدِّ من تأثير موجاتِ التَّفاهة المُستشريةِ التي يتسع نطاقها يوماً بعد يومٍ.
إن المجتمع سيبقى في أمسِّ الحاجة للدَّور الفاعل لقواه الحيَّة، وفي مقدمتها النخبة المثّقفة. وإذا كان غيابُ هذه القوى عن ساحة التَّأثير والتَّنوير عائداً إلى امتناع أو ترفُّعٍ أكاديميٍّ، فإنه من غير المفهوم أن تتوارى هذه القوى عن الأنظار أو أن تنأى بنفسها عن الحياة السياسية والاجتماعيةِ، مفضلة الاحتماء ببعض الأنشطة القطاعية المعزولة. والابتعاد عن قضايا المجتمع الرئيسية التي تهمّ الناس، والتي تحتاج إلى تحليل وتوضيح للرؤية ومقاومة للتفاهة.
نعم هنالك محاذير بالنسبة لعلاقة المثَّقف بالكتابة اليومية للناس مثلا، بسبب الحاجة إلى تبسيط المعقد أو تحديات مواجهة الأفكار السَّائدة. لكن لنتذكَّر أيضاً أن أفضل الدِّراسات والمقالات التي تنشرها الصُّحف العالمية الكبرى اليوم هي لكبار المفكرين والمثقفين والفلاسفة الذين يُسهمون في توجيه الرأي العام وتصديره بصورة رصينة وعميقةٍ. لأن للمثقف دوراً كبيراً في التأثير في واقع الناس وفي مستقبلهم وخياراتهم، ولذلك لا ينبغي أن يقتصر دوره على الانغماس في العمل الأكاديمي، بعيداً عن تحولات الواقع وتجاذباته وإشكالاته، بل ينتظر أن يكون للمثقف دور رياديٌّ في تحليل الواقع الذي يعايشه، ويُشّكل فيه قوّة نقدٍ إيجابيٍّ وقوة اقتراح مفيدة؛ فالتاريخ ينبئنا أن المثقفين هم الذين أسهموا في التّحولات الكبرى في تاريخ الأمم والشعوب، أو التمهيد لها أو توجيهها لتكون في صالح الإنسان. ولذلك عليه أن يتحمَّل ضريبة اقترابه من الناس، حتى لا يبقى تمثالاً في متحفٍ أكاديميٍّ أو مجردَ واجهةٍ لامعةٍ. فإذا لم تصل أفكارُه إلى القوى الفاعلة في المجتمعِ، فلن يكون هنالك أيّ تطور حقيقيٍّ، بل سيظل المثقفون مجردَ أفرادٍ منعزلين غير فاعلين ومتعالين عن النَّاس وعن المجتمع معاً.
إن هذا الكلام لا ينطلق من التصور بأن المثقفين يغيرون التاريخ، ولكنه دعوة إلى استنهاض قوى العقل في مواجهة الخواء والفوضى والتفاهة، وذلك لأن التاريخ يتغير عندما تتحول الأفكار إلى قوى مجتمعية فاعلة.
همس أخير
ارقد يا صديقي في صمتك الأخير،
فلم يعد من حولك ما يستحق الكلام.
أغمض عينيك وارحل،
ولا تخلف وعدك لي بالموت.
أسماء كبيرة من المثقفين تتوارى اليومَ عن السَّاحة، فتبتعد عن الإعلام والصَّحافة، أو تبتعد عنهم الصَّحافة والإعلام، ما أدى إلى حرمان المجتمع من التأثير الفاعل للفكر المستنير والخبرات المهمّة، في وقت يحتاج فيه المجتمعُ إلى كلّ صوتٍ عاقل وإلى كلِّ فكرٍ جادٍّ، للحدِّ من تأثير موجاتِ التَّفاهة المُستشريةِ التي يتسع نطاقها يوماً بعد يومٍ.
إن المجتمع سيبقى في أمسِّ الحاجة للدَّور الفاعل لقواه الحيَّة، وفي مقدمتها النخبة المثّقفة. وإذا كان غيابُ هذه القوى عن ساحة التَّأثير والتَّنوير عائداً إلى امتناع أو ترفُّعٍ أكاديميٍّ، فإنه من غير المفهوم أن تتوارى هذه القوى عن الأنظار أو أن تنأى بنفسها عن الحياة السياسية والاجتماعيةِ، مفضلة الاحتماء ببعض الأنشطة القطاعية المعزولة. والابتعاد عن قضايا المجتمع الرئيسية التي تهمّ الناس، والتي تحتاج إلى تحليل وتوضيح للرؤية ومقاومة للتفاهة.
نعم هنالك محاذير بالنسبة لعلاقة المثَّقف بالكتابة اليومية للناس مثلا، بسبب الحاجة إلى تبسيط المعقد أو تحديات مواجهة الأفكار السَّائدة. لكن لنتذكَّر أيضاً أن أفضل الدِّراسات والمقالات التي تنشرها الصُّحف العالمية الكبرى اليوم هي لكبار المفكرين والمثقفين والفلاسفة الذين يُسهمون في توجيه الرأي العام وتصديره بصورة رصينة وعميقةٍ. لأن للمثقف دوراً كبيراً في التأثير في واقع الناس وفي مستقبلهم وخياراتهم، ولذلك لا ينبغي أن يقتصر دوره على الانغماس في العمل الأكاديمي، بعيداً عن تحولات الواقع وتجاذباته وإشكالاته، بل ينتظر أن يكون للمثقف دور رياديٌّ في تحليل الواقع الذي يعايشه، ويُشّكل فيه قوّة نقدٍ إيجابيٍّ وقوة اقتراح مفيدة؛ فالتاريخ ينبئنا أن المثقفين هم الذين أسهموا في التّحولات الكبرى في تاريخ الأمم والشعوب، أو التمهيد لها أو توجيهها لتكون في صالح الإنسان. ولذلك عليه أن يتحمَّل ضريبة اقترابه من الناس، حتى لا يبقى تمثالاً في متحفٍ أكاديميٍّ أو مجردَ واجهةٍ لامعةٍ. فإذا لم تصل أفكارُه إلى القوى الفاعلة في المجتمعِ، فلن يكون هنالك أيّ تطور حقيقيٍّ، بل سيظل المثقفون مجردَ أفرادٍ منعزلين غير فاعلين ومتعالين عن النَّاس وعن المجتمع معاً.
إن هذا الكلام لا ينطلق من التصور بأن المثقفين يغيرون التاريخ، ولكنه دعوة إلى استنهاض قوى العقل في مواجهة الخواء والفوضى والتفاهة، وذلك لأن التاريخ يتغير عندما تتحول الأفكار إلى قوى مجتمعية فاعلة.
همس أخير
ارقد يا صديقي في صمتك الأخير،
فلم يعد من حولك ما يستحق الكلام.
أغمض عينيك وارحل،
ولا تخلف وعدك لي بالموت.