كثيراً ما نتمسك ببعض الأمثلة والحكم والمقولات ونؤمن بها وكأنها صحيحة تماماً وغير قابلة للنقاش أو التعديل فليس بالضرورة أن تكون تلك المقولات صحيحة وإنما تناسب بعض المواقف ولا تتناسب مع مواقف أخرى، بمعنى غير صحيحة في كل الأحوال والمواقف.

كثيراً ما نردد مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه» ومعنى هذه المقولة إن من لا يملك هذا الشيء لا يقدر على أن يعطيه لغيره والبعض يفسر المقولة بأن «من حرم من الشيء فإنه لا يعطي غيره من هذا الشيء الذي حرم منه».

وغالباً ما تكون هذه الأشياء معنوية وليست مادية كمثال على ذلك «خُلق، علم، صفة» فهذه الأشياء المعنوية المعنية في هذه المقولة وليس بالتأكيد المال أو الأشياء المادية فمن يملك المال وحر بالتصرف به يستطيع أن يعطي لغيره يستطيع أن يهب قطعة أرض لغيره يستطيع أن يعطي من الأكل وبعض الحاجيات لغيره لأنها أشياء مادية ولكن هل يستطيع أن يعطي الأشياء غير المادية لغيره فهذا قرار آخر مرتبط بالتجارب التي يمر بها أو مرت عليه.

مقولة فاقد الشيء لا يعطيه أجدها بعض الشيء مجحفة وغير صحيحة في جوهرها للأشخاص الذين يؤمنون بأن النصائح الذهبية هي دائماً وليدة التجارب التي يمر بها المرء ومن خاض تجربة فهو أدرى بعواقب تلك التجربة وأعلم بنتائجها إذا كانت مرت بالظروف نفسها، والمحب دائماً يعطي الكثير من الوعظ والنصائح للخيرين حتى وإن كان لا يعمل بها ولكنها الخشية على المحبوب سواء إن كان أحد أفراد أسرته أو صديقاً أو زميلاً.

أمثلة كثيرة تمر علينا تخلخل تلك المقولة «فاقد الشيء لا يعطيه» مثلاً أب لم يكمل دراسته ولكنه ينصح ابنه بالدراسة ويصر على ذلك لأنه وجد بعد فوات الأوان بأن التعليم علم وتنوير ومناصب قيادية وراتب مرضٍ، مثال آخر شخص يتعاطى المخدرات أو يتعاطى المسكرات أو في درب غير سوي ينصح غيره بألا يسلكوا هذا الدرب لأنه يعلم ويلات هذا الابتلاء رغم أنه لا يزال يسلك هذا الدرب، وكثير من الأشخاص من لا يؤدون العبادات فإنهم يحثون أولادهم وغيرهم على العبادة والأمثلة تطول.

من قال فاقد الشيء لا يعطيه فمن حرم من الحنان صغيراً يفرش جناح الود والحنان لأسرته الصغيرة، من عاش يتيماً يدرك معنى اليتم ومن فقد عزيزاً يستشعر معنى الفقد، ومن أراد أن يعطي فإن العطاء شيمة الكرماء.