أربعة وعشرون طالباً، يختارون في جامعة ستانفورد ليشتركوا في تجربة تعد من أسوأ التجارب، التي انتقدت انتقادات كثيرة، حتى نالت شهرتها الواسعة.
تحت قيادة البروفيسور فيليب زيمباردو، قسم الطلاب إلى مجموعتين، مجموعة لعبت دور الحراس، فزودوا بملابس الحراس والعصي، بينما لعبت المجموعة الأخرى دور السجناء، وأيضاً زودوا بزي السجن ووضعت لهم أرقام يعرفون بها بدلاً من الأسماء، وجه الحراس لأمر واحد، وهو المحافظة على النظام والسيطرة داخل السجن، وضعت لهم قاعدة واحدة، وهي التحرر من كل القواعد والقيود في التصرفات، وذلك لتحقق التجربة هدف دراسة نفسية، وهو استكشاف تأثير البيئة الاجتماعية على سلوك الإنسان، خصوصاً في ظروف السجن، كان ذلك في الفترة ما بين 14 و20 أغسطس من سنة 1971، لكن تداعيات التجربة كانت سريعة ومريعة، وذات أثر نفسي سيئ على المشاركين، حتى أنهيت التجربة بعد ستة أيام من بدايتها وأوقفت قبل موعدها المقرر وهو 14 يوماً.
فبمجرد أن بدأت التجربة ودخل الجميع في محاكاة حياة السجن، تسارعت وتيرة تصرفات الحراس «الطلبة» وتصرفوا بوحشية وقسوة متصاعدة تجاه السجناء «زملاؤهم الطلبة» فحقروهم وأذلوهم، فيما بدت علامات الإجهاد النفسي على الطلبة «السجناء». ومع أن تجربة ستانفورد هذه واجهت انتقادات شديدة، لعيوب تتعلق بالتصميم والتنفيذ، إلا أنها أظهرت أمرا لا يختلف عليه أحد، وهو الخطر المصاحب للسلطة المتحررة من القيود، فالمجوعة التي منحت السلطة تحول أفرادها إلى مجرمين لا رحمة في قلوبهم، بينما تأثرت نفوس أفراد المجموعة الثانية لما تعرضوا له من إذلال وهيمنة، وتمكنت هذه التجربة من تحديد فهمنا لأثر السلطة المطلقة على سلوك البشر.
نتائج التجربة ليست متوقفة عند سور جامعة ستانفورد، لأنها واقع يعرض بالفعل على مسرح الحياة السياسية، والأشد من هذا، هناك من نقلها متعمداً إلى عدد من الدول العربية التي طالتها رياح التغيير، وبدل المجموعتين المؤلفتين من أربعة وعشرين طالباً، نقلت إلى عشرات الملايين في مجموعتين غير متساويتين، الغالبية منهم منحوا دور السجناء، وإذا كانت مجموعة الحراس في ستانفورد هم من طلبة الجامعة المتعلمين، فما بالك بمجاميع من المجرمين والعصابات منحوا هذا الدور وسلطوا على عشرات ملايين البشر، وإذا خجل القائمون على تجربة ستانفورد وأوقفوا التجربة بعد ستة أيام، فالتجربة المعاصرة الأوسع لم يخجل منفذوها وتجاوزت العشرين سنة وهي مستمرة بدون توقف.
لقد كشفت التجربة عن الجانب المظلم من النفس البشرية، وبينت كيف يمكن للسلطة أن تكون مدمرة عندما تُمنح دون رقابة، وفيها تفسير لتساؤل يطرحه بعض من عاصر كثير ممن تولوا دور الحراس في بعض الدول وعرفوهم قبل أن يصلوا إلى السلطة، عندما يقولون: «لم يكن فلان هكذا، لقد صحبته سنين طويلة، إنه من أسرة معروفة، ما الذي جرى له وما الذي غيره».
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
{{ article.visit_count }}
تحت قيادة البروفيسور فيليب زيمباردو، قسم الطلاب إلى مجموعتين، مجموعة لعبت دور الحراس، فزودوا بملابس الحراس والعصي، بينما لعبت المجموعة الأخرى دور السجناء، وأيضاً زودوا بزي السجن ووضعت لهم أرقام يعرفون بها بدلاً من الأسماء، وجه الحراس لأمر واحد، وهو المحافظة على النظام والسيطرة داخل السجن، وضعت لهم قاعدة واحدة، وهي التحرر من كل القواعد والقيود في التصرفات، وذلك لتحقق التجربة هدف دراسة نفسية، وهو استكشاف تأثير البيئة الاجتماعية على سلوك الإنسان، خصوصاً في ظروف السجن، كان ذلك في الفترة ما بين 14 و20 أغسطس من سنة 1971، لكن تداعيات التجربة كانت سريعة ومريعة، وذات أثر نفسي سيئ على المشاركين، حتى أنهيت التجربة بعد ستة أيام من بدايتها وأوقفت قبل موعدها المقرر وهو 14 يوماً.
فبمجرد أن بدأت التجربة ودخل الجميع في محاكاة حياة السجن، تسارعت وتيرة تصرفات الحراس «الطلبة» وتصرفوا بوحشية وقسوة متصاعدة تجاه السجناء «زملاؤهم الطلبة» فحقروهم وأذلوهم، فيما بدت علامات الإجهاد النفسي على الطلبة «السجناء». ومع أن تجربة ستانفورد هذه واجهت انتقادات شديدة، لعيوب تتعلق بالتصميم والتنفيذ، إلا أنها أظهرت أمرا لا يختلف عليه أحد، وهو الخطر المصاحب للسلطة المتحررة من القيود، فالمجوعة التي منحت السلطة تحول أفرادها إلى مجرمين لا رحمة في قلوبهم، بينما تأثرت نفوس أفراد المجموعة الثانية لما تعرضوا له من إذلال وهيمنة، وتمكنت هذه التجربة من تحديد فهمنا لأثر السلطة المطلقة على سلوك البشر.
نتائج التجربة ليست متوقفة عند سور جامعة ستانفورد، لأنها واقع يعرض بالفعل على مسرح الحياة السياسية، والأشد من هذا، هناك من نقلها متعمداً إلى عدد من الدول العربية التي طالتها رياح التغيير، وبدل المجموعتين المؤلفتين من أربعة وعشرين طالباً، نقلت إلى عشرات الملايين في مجموعتين غير متساويتين، الغالبية منهم منحوا دور السجناء، وإذا كانت مجموعة الحراس في ستانفورد هم من طلبة الجامعة المتعلمين، فما بالك بمجاميع من المجرمين والعصابات منحوا هذا الدور وسلطوا على عشرات ملايين البشر، وإذا خجل القائمون على تجربة ستانفورد وأوقفوا التجربة بعد ستة أيام، فالتجربة المعاصرة الأوسع لم يخجل منفذوها وتجاوزت العشرين سنة وهي مستمرة بدون توقف.
لقد كشفت التجربة عن الجانب المظلم من النفس البشرية، وبينت كيف يمكن للسلطة أن تكون مدمرة عندما تُمنح دون رقابة، وفيها تفسير لتساؤل يطرحه بعض من عاصر كثير ممن تولوا دور الحراس في بعض الدول وعرفوهم قبل أن يصلوا إلى السلطة، عندما يقولون: «لم يكن فلان هكذا، لقد صحبته سنين طويلة، إنه من أسرة معروفة، ما الذي جرى له وما الذي غيره».
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية