حرب غزة مرشحة بقوة لأن تتحول إلى صراع إقليمي تستفيد منه أطراف كثيرة، ويخرج منها شعب فلسطين وهم أصحاب القضية بغير مكاسب، ولا ننسى الدول العربية التي اعتبرت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى وقامت بحروب من أجلها آخرها حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 وساهمت بمبادرات لحلها سياسياً، أهمها ما جاء في المبادرة العربية في إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين عاصمتها القدس الشرقية كبقية الشعوب معترف بها من كل الدول وطيلة ما يقارب القرن عجزت المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن إيجاد حل لقضية فلسطين وتطبيق القرارات الدولية التي صدرت بشأنها، ومما يزيد من صعوبة الموقف حالياً أن ظروف أغلب الدول العربية لا تحتمل قيام حرب مع إسرائيل في ظل الأوضاع السياسية واللوجستية الإقليمية والدولية الحالية.
وبالمقابل تحاول دول أجنبية التدخل في قضية العرب الأولى لتحقيق مآربها الخاصة في الوقت الذي يدفع فيه ثمنها الآن أهالي غزة؛ فهم عزل ولا حول ولا قوة لهم وبقيتهم يتم تهجيرهم إلى أطراف غزة، وليس لديهم حتى الماء والكهرباء والطاقة والمسكن، فلا مكان يلجؤون إليه إلا مدارس منظمة «الأونروا» التي خصصت لتعليم أبناء غزة.
وأولى الدول التي تريد أن تستغل هذه الحرب هي إيران لتقوية موقفها في أمور عديدة؛ لذا لا يجب علينا كعرب أن تجرنا العواطف وراء من يريد أن ينزلق بنا إلى حرب تسبب للعرب الخسائر، والحرب التي تحدث حالياً بين حركة حماس وإسرائيل ما كانت لتحدث لولا التنسيق مع تلقي الضوء الأخضر من إيران ونسأل ما هدف لقاء وزير الخارجية الإيراني بالأمين العام لحركة حماس منذ يومين؟ وهذا يؤكد ما جاء في صحيفة «وول ستريت جورنال» أن مسؤولين أمنيين في إيران ساعدوا حماس بالتخطيط، وذلك خلال سلسلة من الاجتماعات التي عقدت في بيروت.
وهدف إيران في النهاية هو أن تعمل على إفشال أي اتفاق مع إسرائيل لقيام دولة فلسطينية، ولا يمكن لكائن من كان أن يصدق أن حماس شنت حرباً على إسرائيل دون علم من النظام الإيراني وأول من بعث برسالة تأييد للأمين العام لحركة حماس هو الرئيس الإيراني، بينما كل الزعماء العرب دعوا إلى ضبط النفس ووقف الحرب وعدم استهداف المدنيين من الطرفين مثلما جاء في بيان جامعة الدول العربية والبيان السعودي والمصري والإماراتي وبقية الدول العربية لإدراكهم أن هذه الحرب ستسهل على إسرائيل ارتكاب محرقة بحق الشعب الفلسطيني. وإسرائيل تقف معها كل الدول الكبرى بمن فيها أمريكا، وجعلت هذه الحرب الإسرائيليين يتحدون في حكومة واحدة بعد أن كانت حكومة نتنياهو مهددة بالرحيل.
إن احتمال دخول أضلع إيران في المنطقة في هذه الحرب مثل دخول حزب الله بشكل مباشر على خط الحرب، سيؤدي بالضرورة إلى اتساع رُقعة العمليات، ويزيد من احتمالية فتح جبهات أخرى ضد إسرائيل ربما من سوريا أو الحوثيين في اليمن أو غيرهما، الأمر الذي يُشكل تهديداً غير مسبوق للاستقرار الإقليمي.
مثل هذا التجاهل للشعب الفلسطيني يفرض وجود «عقلاء» في الجانب العربي أيضاً يفكرون منذ الآن في كيفية الاستفادة من الحرب، بدل ترك إيران تستفيد من «حماس» وتستخدمها كيفما تشاء وحيثما تشاء!