إبان انتشار ما يعرف بالجندر «النوع الاجتماعي» في الألفية الثالثة، وبعد سلسلة من الشد والجذب حول هذا المفهوم الدخيل الذي اقتحم المجتمعات العربية قامت النسويات الإسلاميات من أمثال الكاتبة الأمريكية آمنة ودود بإطلاق لفظ الأسلمة على الجندر كمسوغ لقبول هذا المصطلح والترويج له، فآمنة ودود لمن لا يعرفها هي المرأة المثيرة للجدل التي قامت بإمامة المصلين في عام 2005 ولديها العديد من المؤلفات النسوية، ولسنا هنا بمعرض الحديث عن ودود، ولكن ما يهمنا هو إطلاقها للأسلمة فحين تبحر في فهم هذا المصطلح المبطن تدرك حقيقة الأمر، لست ضد الأسلمة ولكني ضد أسلمة كل شيء؛ فتعاليم الإسلام تتعدى كل ذلك، ولكنه من الإسفاف إطلاق الأسلمة على كل ما هو غربي.
أولاً الجندر هي كلمة لاتينية بمعنى الجنس أو النوع ذكر أو أنثى، وهو مفهوم اجتماعي صاغه عالم النفس روبرت ستولر ثم جاءت آن أوكلي في سبعينيات القرن الماضي باستحداث ذلك تحت مسمى النوع الاجتماعي بأن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية تحكم وتؤثر على علاقة المرأة والرجل وتداخل تلك العلاقات. دعني أعود بالزمن إلى الوراء وذلك في عام 1995 إذ نشرت مجلة المجتمع الكويتية بنود وثيقة بكين التي كانت تحكي عن ذلك المفهوم ثم طالعنا مؤتمر للسكان والتنمية بالترويج للمفهوم عربياً. المصيبة أن بنود الوثيقة كانت تنص نصاً واضحاً على الترويج لحرية المرأة والمساواة المطلقة دون استناد شرعي، ثم يأتي المؤتمر مناقشاً ذلك الطرح بتبني وثيقة بكين. في الحقيقة في ذلك الوَقت كانت تلك الوثيقة تذكرة الدخول إلى عالم اليوم الذي يضج بالشذوذ الفكري وانقلاب الفطرة السليمة الإشكالية، حين يتم تطبيق نمذجة غربية وإدخالها إلى مجتمعاتنا التي أشك أحيانا بأنها لا تفهم الحقيقة!
عوداً على بدء وعند تلك الأسلمة التي لوهلة حين قرأتها قلبتها يميناً وشمالاً كيف يكون شكل أسلمة الجندر! إذا ما سلمنا بالمفهوم كتعريب له فمن غير المنطق التصديق به وتبنيه والترويج له، أما إذا فهمنا الموضوع بالمعنى الشمولي فالخطاب القرآني في ذلك صريح «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى»، «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى»، فالخطاب نص على ذلك قبل أن تأتي دعاة النسوية ويتبجحن بالجندر، المضحك المبكي أنك تعيش التناقض في مفهوم الجندر والنوع الاجتماعي والحقيقة كلها تصب في ذات المعنى مهما قمنا بتعريبه أو تجريده، ومهما بحثت في قواميس اللغة الإنجليزية فهو كما هو لا يوجد له معنى آخر، ولتعذرني النسويات فبالنسبة لي فإن مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي هو الترويج للمتشابهين والمتشابهات، والسماح لذلك على مرأى من المجتمع، وذلك في إطار احترام الإنسانية وتقبل الآخر، ولسنا هنا بمعرض الحديث عن احترام الإنسان أياً كان عرقه وجنسه ودينه ولكن أن تتقبله كما هو فذلك الأمر مخالف للشرع.
قبل إطلاق الأسلمة على كل الأشياء من باب الترحيب بها في المجتمعات المسلمة سواء أسلمتها أم لم تُؤسلمها فهي تنخر بمجتمعك كالسوس. لست ضد الحرية ولا النسوية، ولكن ضد من يبرر المنكر ويجعلني أؤمن به! وضد ما يتعارض مع ديني. وهنا إشكالية أخرى علينا التفكر بها فلم يوقعنا في ذلك إلا الفهم الخاطئ للإسلام، وتلك الخطابات التي عفّى عليها الزمن.