مضى شهر ديسمبر باحتفالاته الجميلة المتنوعة باليوم الوطني المجيد، ولعل من أبرز هذه الاحتفالات، تلك البرامج التي أقيمت عبر مسار اللؤلؤ على الشاطئ الجنوبي من جزيرة المحرق، وهذا المسار أو الطريق هو ذات المسار الذي كان يستخدمه الأجداد منذ أوائل الثلاثينات في القرن العشرين حتى تحول الناس من تجارة اللؤلؤ إلى الاشتغال بالنفط لأسباب عده منها ظهور اللؤلؤ الصناعي في اليابان، ويضم هذا الطريق سبعة عشر مبنى وثلاثة حاضنات للمحار، بالإضافة إلى قلعة تقع على البحر وهي قلعة بوماهر، ويصل طول هذا الطريق إلى 3.5 كيلومتر، ومنذ أن هجر الغواصون مهنتهم، بدأ هذا الشارع يغيب عن ذاكرة الأجيال الجديدة شيئاً فشيئاً حتى كاد أن يطمر هذا الشارع النسيان.

وقد قامت الجهات المختصة في السنوات الأخيرة بإحياء هذا الشارع، بترميم المنازل والمباني القديمة وتحويلها إلى متاحف جميلة تتصف بسمة فن المعمار القديم، وإعادة تصميم ساحات الأحياء الواقع على هذا المسار، وإعادة تنسيق الطرقات التي تربط بين الأحياء حتى باتت أحياء مسار اللؤلؤ مقصد للشباب قبل الكبار، وللسياح قبل المواطنين.

ومما شجع الجمهور على ارتياد هذا الشارع إقامة الفعاليات والبرامج خلال شهر ديسمبر، حيث تقدم الفرق الفنية عروضا جميلة، وتقام برامج يشارك فيها الجمهور مثل: صناعة الفخار والرسم بالرمال، والتلوين، وزخرت الأحياء القديمة الواقعة على هذا الشارع بالمطاعم المتنقلة الشعبية والحديثة، تلك الأنشطة هي التي استقطبت عشرات الآلاف من الجمهور. وجعلت تلك الأحياء تعج بالسواح من المواطنين والمقيمين قبل السواح القادمين من الخارج، وكأنهم يشهدون تلك الأحياء للمرة الأولى في حياتهم، ولا عجب أن تسمع الكثير يعبر عن مشاعر الحنين لتلك الأحياء والطرقات، فهي مرتع طفولته، وبها بيت أجداده التي ضمته وأسرته، حتى كادت تنطق تلك الأحياء والشوارع لتبادلهم مشاعر الحنين والشوق للزمن الجميل.

وإن تجولت بين تلك الأحياء والطرقات لتجد الناس تسير راجلة من بيت إلى بيت ومن حي إلى آخر فتجوب تلك الطرقات القديمة راجلة على أقدامها ساعات طويلة ومسافات ربما لم تسرها من قبل، لتفاجأ أن الساعة تخبرهم أنهم ساروا أربع أو خمس ساعات، وإن تجولت في شوارع المحرق قاطبة تجد الناس أفواجاً تسير عبر شوارع المحرق متجه إلى مسار اللؤلؤ، تلك الظاهرة لم تألفها أعيننا من قبل، فقد تعودنا أن يركب الناس السيارة حتى لو كان مدة مسار الطريق دقائق معدودة، فالمشي بالنسبة للكثير تحد يصعب عليهم مواجهته، لكننا شهدنا أفواجاً من الشباب والأطفال والكبار يسيرون لمدة ساعات بكل سعادة وفرح، على مدى شهر كامل، حتى بتنا نتساءل هل أهالي المحرق يشاركون في ماراثون رياضي، أم أن مشاعر الشوق للأحياء القديمة جعلت الأفئدة تهوي إليها حبا فنسيت عناء المشي، وبات القلب بخفق بالحب ونسي خفانه من عناء المشي، وبات الناس يتساءلون، ما أقصر تلك المسافات، فما بالنا نحرم أنفسنا المشي معتمدين على استقلال السيارة. لعمري إن برامج مسار اللؤلؤ قد حول شهر ديسمبر لشهر للممارسة رياضة المشي، وأن رياضة المشي متعة للقلب والروح. فلنجعل أيامنا جميعاً ماراثون نعتمد على المشي في قضاء حوائجنا بدلاً من الاعتماد على السيارة، أعاد الله علينا شهر ديسمبر وبحرينينا في أمن وأمان.. ودمتم سالمين.