«الدم الفلسطيني غالي»، هذه الحقيقة المتجسدة على أرض الواقع، تتحقق يومياً، لاسيما منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في 7 أكتوبر الجاري، فيما عرفت باسم عملية «طوفان الأقصى» حيث نرى أن إسرائيل تتكبد خسائر فادحة على جميع المستويات.
وإذا ما تطرقنا إلى الجانب السياسي نجد أن ما قامت به الفصائل الفلسطينية من هجوم مباغت أرضاً وبحراً وجواً، قد نال من هيبة وقوة إسرائيل كدولة كان يحسب لها ألف حساب، لكن تلك الهجمات المنظمة والتي أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجانب الإسرائيلي سواء من مدنيين أو عسكريين بالإضافة إلى تمكن الفصائل من احتجاز رهائن بينهم ضباط كبار وجنود في الجيش الإسرائيلي، جعل قبضة تل أبيب تهتز، ليس هذا فحسب بل ظهر جلياً مدى الخلافات السياسية والعسكرية التي دبت بين حكومة بنيامين نتنياهو من جهة، والجيش الإسرائيلي والمخابرات «الموساد» من جهة أخرى. وعلى المستوى السياسي الدولي، نجد أن الحكومة الإسرائيلية لم تستطع أن تقنع الرأي العام العالمي بحقيقة أنها تدافع عن نفسها في ظل القصف العنيف والمتواصل على قطاع غزة واستهداف المدنيين بشكل كبير، بل تكاد تكون قد ورطت دولاً غربية أعلنت تأييدها لتل أبيب خلال الأيام الماضية، وربما هذا يتجسد في التصريحات التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام حينما قال أمام جلسة مجلس الأمن الدولي «إن الشعب الفلسطيني خضع على مدى 56 عاماً للاحتلال الخانق، والفلسطينيون رأوا أرضهم تلتهمها المستوطنات ويعمها العنف، واقتصادهم يخنق، وشعبهم يشرد، ومنازلهم تهدم، وآمالهم في حل سياسي لمعاناتهم تتلاشى، إن حماية المدنيين لا تعني إصدار الأوامر لأكثر من مليون شخص بإخلاء منازلهم والاتجاه جنوباً، حيث لا يوجد مأوى ولا غذاء ولا مياه ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار في قصف الجنوب نفسه».
ولعل أكثر الخسائر السياسية تأثيراً على الجانب الإسرائيلي سوف تتمثل في حال تم إعلان عن صفقة تبادل أسرى بين الجانبين، حيث ربما تؤدي تلك الصفقة إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل والذين يقدرون بالآلاف، مقابل الرهائن الذين تحتجزهم «حماس».
وإذا كانت حكومة نتنياهو قد حاولت بشتى الطرق حفظ ماء وجهها من خلال الهجوم العسكري الانتقامي على قطاع غزة، بالإضافة إلى عمليات القصف والاعتقالات في أماكن مختلفة من الأراضي الفلسطينية، لاسيما الضفة الغربية والقدس، والتي استهدفت مدنيين بشكل كبير، خاصة الأطفال والنساء والمسنين، حيث مثلوا تقريباً نحو 70% من ضحايا القصف الإسرائيلي، إلا أن تل أبيب لاتزال تنزف جراء الخسائر الكبيرة والجمة التي تتكبدها يومياً منذ اندلاع «طوفان الأقصى» على مدار 24 يومياً. ووفقاً لتقارير وتحليلات، تُقدّر خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على قطاع غزة بنحو 7 مليارات دولار، بحسب تحليل لمصرف «هبوعليم»، والذي يمثل أحد أكبر بنوك إسرائيل، مستنداً إلى خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية عام 2006، وفقاً لبيانات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، التي أشارت إلى أنّه خسر نحو 2.4 مليار دولار خلال الحرب التي دامت 34 يوماً، في حين خسرت إسرائيل نحو 835 مليون دولار، خلال عملية «الرصاص المصبوب» التي شنتها ضد الفلسطينيين في ديسمبر 2008.
لذلك فإن تلك التقارير والتحليلات تؤكد أن عملية «طوفان الأقصى» استطاعت أن توقف عجلة الاقتصاد الإسرائيلي من سياحة وحركة مطارات ونقل، في تطور نوعي لم يحدث من قبل خلال الحروب السابقة. وقبل أيام، خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني «إس آند بي»، النظرة المستقبلية لتصنيف إسرائيل إلى سلبية، نظراً لانتشار مخاطر الحرب على نطاق أوسع، ليصبح تأثيرها أكثر وضوحاً على اقتصاد إسرائيل. يأتي ذلك فيما وضعت وكالة «موديز» تصنيف ديون إسرائيل قيد المراجعة لخفض التصنيف، ووضعت وكالة «فيتش» التصنيف الائتماني للبلاد تحت المراقبة السلبية، بسبب «طوفان الأقصى»، الأمر الذي يضرب اقتصاد البلاد في مقتل.