قال الأولون: الدين هم بالليل وذل بالنهار، فإذا ما اضطر شخص إلى الاقتراض تجده يتردد في اتخاذ هذا القرار، ويظل مهموماً ويشعر بالانكسار عندما يطلب من الناس الدين، فكانوا يتجنبون الاقتراض إلا للضرورة القصوى، كاقتراض مبلغ من المال للعلاج، أو لتوفير الطعام الضروري للأبناء، أو توفير مأوى، وإذا ما اقترض يظل يحمل هم السداد، ولا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن حتى يسدد الدين الذي اقترضه. وكان المدين يتوارى من الدائن حياءً إذا ما اضطر إلى تأجيل السداد، وهنا قال الأولون «الدين هم بالليل وذل بالنهار»، وكان الاقتراض من أفراد فيقترض الشخص من الأقارب، أو الجيران أو الأصدقاء.
ولكن مع انتشار خدمات المصارف، حيث سهلوا عملية الدين من البنوك، فبات الناس يقترضون من المصارف بدلاً من الدين من أشخاص، وينظم البنك عملية السداد شهرياً، فلم يعد الدين هماً بالليل، بل يظل الشخص يسدد بكل أريحية، وهذا أمر جميل، فقد سهل على الناس الحصول على قروض لتوفير احتياجاتهم الرئيسية، مثل الاقتراض لتوفير سكن، أو شراء سيارة والتي تعد ضرورة في مجتمعاتنا، أو لسد كلفة علاج، أو لتوفير رسوم التعليم. وقد توسعت خدمة تسهيل استدانة الناس من البنوك حتى بات الشخص ما يلبث أن يسدد ديناً حتى يبدأ في الدين الثاني.
ولكن نلاحظ في السنوات الأخيرة أن البعض يقترض من البنك لتوفير أمور تعد من الكماليات أو لنقل بمعنى آخر هي من الضروريات لدواعي «الفشخرة» فتجد من يقترض ألفي دينار لشراء حقيبة يد نسائية، أو لشراء فستان سهرة، أو ساعة من ماركة عالمية، أو شراء إكسسوارات من ماركات معروفة، أو لتوفير تكلفة سفرة سياحية.
هذا النوع من الإدمان على القروض لتوفير الكماليات بات خطراً يهدد ميزانية الأسرة، فتجد الأسرة باتت مهووسة بتوفير تلك الكماليات غير الضرورية، حتى إنها صارت تعتبرها من الضروريات، فتوفير سيارة فارهة، واقتناء الساعات والأحذية، والحقائب ذات الماركات العالمية التي تكلف آلاف الدنانير باتت ضرورة لتحديد وضع الإنسان الاجتماعي بين الناس، وبدونها يشعرون بالدونية وربما الانتقاص من القدر، ويؤثر سلباً على وضعهم الاجتماعي بين الناس، أو هكذا يعتقدون، لذا يظل المستهلك في دورة لا تنتهي من عمليات الاقتراض.
وهنا لا بد من ضبط سلوك المستهلك (المدين) وترشيد استهلاكه من قبل المعنيين، وحبذا لو أن القائمين على البنوك طلبوا من الزبون الإفصاح عن الغرض من طلب القرض، حتى لو كان هذا القرض مبلغاً زهيداً، وعلى البنك التحقق من أهمية الغرض من القرض بالنسبة للزبون، ومقارنته بدخله الشهري. كما نتمنى من المعنيين بحماية المستهلك معالجة هذه الظاهرة بالبرامج التوعوية، ووضع ضوابط لعمليات الاقتراض فلا يكون القرض إلا للضرورة. وأخيراً أذكر كل أسرة بأهمية ضبط ميزانية الأسرة والتركيز على الادخار للمستقبل، فالقرش الأبيض ينفع لليوم الأسود.. ودمتم سالمين.