يحكى أن أحد ملوك الفرس كان عنده وزير ذكي ومجرب، وكان الملك يستشيره في كل الأمور.. فلما مات الملك خلفه ابن شاب صغير السن معجب بنفسه مستبد برأيه، فلم يقتف أثر والده في استشارة وزيره، فلما لفت الوزير مليكه إلى ذلك، قال له الملك: إن والدي كان مخطئاً في رأيه وسوف أثبت لك ذلك.. فسأل الملك الشاب وزيره: أيهما أغلب على الرجل الأدب أو الطبيعة؟ فأجاب الوزير: الطبيعة أغلب لأنها أصل والأدب فرع، وكل فرع يعود إلى أصله.. فدعاه الملك إلى سفرته، فلما وضعت السفرة أقبلت مجموعة من القطط تحمل الشموع بين يديها لكي تضيء المكان وتحلّقت حول السفرة. فقال الملك للوزير: هل عرفت الآن خطأك وضعف رأيك، وهل كان أبو هذه القطط شماعاً؟.. فسكت الوزير ثم قال للملك الشاب: أمهلني في الجواب حتى الليلة المقبلة، فقال له الملك: لك ذلك. فلما كان الغد أحضر الوزير معه فأراً ربطه بخيط ووضعه بين ثيابه.. فلما أحضرت سفرة الملك وأقبلت القطط بالشموع كعادتها ألقى الوزير بالفأر عليها، فتسابقت القطط إلى الفأر لاصطياده وأكله ورمت بالشموع التي كانت تحملها حتى كادت النيران تضطرم في القصر، فقال الوزير للملك: هل رأيت يا جلالة الملك غلبة الطبيعة على الأدب ورجوع الفرع إلى أصله؟ فقال الملك: صدقت يا أيها الوزير.. ورجع إلى ما كان أبوه عليه من استشارة الوزير في كل الأمور.
هذه القصة القصيرة التي لا تخلو من بعض الحكمة تذكرتها وأنا أرى أحوال الناس هذه الأيام.. معظمهم إن لم يكن جميعهم يغلفون طباعهم بالزيف والنفاق وبطبقات من المزايا الحسنة والجميلة التي لا توجد فيهم ولا هي من جوهرهم.. وأمثلة ذلك كثيرة فترى مثلاً شخصاً وصولياً وانتهازي فرص يتظاهر بأنه مكافح وأنه لم ينل ما وصل إليه من مركز وجاه إلا بالنضال والعرق، وآخر يتظاهر بالطيبة وحسن الخلق وهو يحمل بين جنبيه قلباً أسود وأخلاقاً أكثر اسوداداً.. وثالثاً يتظاهر بالعفة والطهارة ويتمسح بمسوح الرهبان ولا تفارق السبحة أصابعه، لكن لعابه يسيل لمجرد رؤيته لفتاة حسناء ولو من بعيد، ورابعاً يضع خلف مكتبه عبارة «هذا من فضل ربي» وهو يعلم علم اليقين أنه لم يصل إلى مركزه إلا لأنه تملق زيداً وعمراً، وبعد أن تسلق سنين طويلة على ظهور الآخرين من أقرانه وزملائه لكي يصل إلى ما وصل إليه، وخامساً يتظاهر بالشجاعة والنخوة وهو أجبن خلق الله، يخاف حتى من الفئران، وسادساً يتظاهر بالكرم والشهامة وهو لا يجود حتى بشروى نقير.
و.. و.. آلاف من الصور نشاهدها كل يوم، لكنها صور مكشوفة لسبب بسيط هو أن الطبع يغلب التطبع، ولأنه كما تعلمنا من الوزير السابق أن الطبيعة أغلب على الأدب لأن الطبيعة أصل والأدب فرع، وكل فرع يعود إلى أصله.. فهؤلاء الناس لا يخدعون إلا أنفسهم لأن حركاتهم قرعاء ومكشوفة وبربع كُم.
{{ article.visit_count }}
هذه القصة القصيرة التي لا تخلو من بعض الحكمة تذكرتها وأنا أرى أحوال الناس هذه الأيام.. معظمهم إن لم يكن جميعهم يغلفون طباعهم بالزيف والنفاق وبطبقات من المزايا الحسنة والجميلة التي لا توجد فيهم ولا هي من جوهرهم.. وأمثلة ذلك كثيرة فترى مثلاً شخصاً وصولياً وانتهازي فرص يتظاهر بأنه مكافح وأنه لم ينل ما وصل إليه من مركز وجاه إلا بالنضال والعرق، وآخر يتظاهر بالطيبة وحسن الخلق وهو يحمل بين جنبيه قلباً أسود وأخلاقاً أكثر اسوداداً.. وثالثاً يتظاهر بالعفة والطهارة ويتمسح بمسوح الرهبان ولا تفارق السبحة أصابعه، لكن لعابه يسيل لمجرد رؤيته لفتاة حسناء ولو من بعيد، ورابعاً يضع خلف مكتبه عبارة «هذا من فضل ربي» وهو يعلم علم اليقين أنه لم يصل إلى مركزه إلا لأنه تملق زيداً وعمراً، وبعد أن تسلق سنين طويلة على ظهور الآخرين من أقرانه وزملائه لكي يصل إلى ما وصل إليه، وخامساً يتظاهر بالشجاعة والنخوة وهو أجبن خلق الله، يخاف حتى من الفئران، وسادساً يتظاهر بالكرم والشهامة وهو لا يجود حتى بشروى نقير.
و.. و.. آلاف من الصور نشاهدها كل يوم، لكنها صور مكشوفة لسبب بسيط هو أن الطبع يغلب التطبع، ولأنه كما تعلمنا من الوزير السابق أن الطبيعة أغلب على الأدب لأن الطبيعة أصل والأدب فرع، وكل فرع يعود إلى أصله.. فهؤلاء الناس لا يخدعون إلا أنفسهم لأن حركاتهم قرعاء ومكشوفة وبربع كُم.