في كل مؤتمر بيئي يتم الحديث فيه عن المؤامرات الدولية لإخضاع الدول النامية لأجندات عالمية من أجل التحكم والسيطرة بمواردها، أجد نفسي غارقاً في العديد من التساؤلات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل ارتفاع درجة الحرارة بشكل سنوي، وبمعدلات غير مسبوقة في تاريخ الكرة الأرضية مؤامرة؟ وهل ارتفاع معدل سطح البحر أجندة سياسية؟، وهل الأمراض والوفيات المتعلقة بالتلوث البيئي مخطط لها بشكل مدروس ومنظم؟. والأهم من ذلك كله، لماذا يفعلون كل هذا؟، وهم يعيشون معنا على هذه الأرض، ولديهم عائلات وأبناء بيننا؛ فالضرر البيئي لا يفرق بين عرق أو دين أو دولة!!
إن هذا الميل الفكري لتفسير التحديات الكبري بشكل عام على أنها مؤامرة أو مخطط دولي سري يرجع في تصوري إلى قضيتين أساسيتين: الأولى متعلقة بكوننا نريد تفسيراً سريعاً لسبب هذه المعضلات، وبالأخص إذا كان هذا التفسير يخرجنا من دائرة المحاسبة والمسؤولية. وهذا الطرح يتسق مع طرح عالم النفس الشهير دانيال كانمان في كتابه « التفكير السريع والبطيء» حيث يقسم التفكير البشري بناءً على منهجين: فالأول يعمل بتلقائية ومن غير جهد يذكر، ويميل إلى تفسير الأمور لتعزيز الأفكار المتبناة مسبقاً، أما المنهج الثاني فهو يحتاج إلى جهد وتفكير، ويعمل وفقاً لمنطق وآلية. ومن هنا فإن أغلب الفكر المؤامراتي في القضايا البيئية نابع من المنهج الأول للتفكير، والذي يريد جواباً سريعاً بعيداً عن البحث والتنقيب في المخاطر البيئة على الطبيعية والإنسان بشكل علمي. فإلقاء اللوم على أحد الأطراف الخارجية، يجعلنا في حالة راحة نفسية حيث إننا ببساطة ليس الطرف الملام، ولسنا كذلك الطرف الذي يجب أن يعالج هذه المعضلات الصعبة.
أما القضية الثانية المسببة لتبني هذا الطرح المؤامراتي هو كوننا نميل بطبيعتنا لمثل هذا الطرح حيث إنه منسجم بشكل كبير مع رغباتنا ومخاوفنا وافتراضاتنا حول العالم. وإلى هذا المعنى يشير عالم النفس والأكاديمي روب براذرتون في كتابه «عقول متشككة: لماذا نصدق نظريات المؤامرة». حيث يقول: «إن نظريات المؤامرة نتاج لخيال شخص ما، وهي تلقى رواجاً لأنها تنسجم مع خيالات الآخرين. وخيالنا -نوع الأفكار التي نجدها جذابة ومعقولة». ويؤكد في كتابه أيضاً إلى أن تبني مثل هذا النهج في التفكير ليس نتيجة للوضع الاجتماعي أو التعليمي؛ فأصحاب نظريات المؤامرة قد يكونوا غير متعلمين أو أساتذة جامعيين، بل قد يكونون رؤساء وفائزين بجائزة نوبل. فوفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية فإن أربعة أمريكيين من بين كل عشرة تقريباً يرون أن التغير المناخي نوع من التدليس العلمي. ويرى أيضاً ما يقارب من ثلث الشعب الأمريكي أن الحكومة تُخفي على الأرجح أدلة على وجود مخلوقات فضائية.
وحتى نكون واقعيين في طرحنا، فلا أحد ينكر أنه قد يكون هناك بعض الدسائس والخطط التي تُرسم لأجل الحفاظ على مصالح بعض الجماعات. إلا أنه ما لا يمكن تقبله هو أن نبقى أسرى نظريات المؤامرة، والتي تجعلنا بعيدين عن الطرح العلمي المتوازن، والذي يمثل الطريق الصحيح لحل المشكلات التي نعيشها. إن ما نحتاجه اليوم لمعالجة تحيزاتنا الفكرية هو التعمق في فهم آلية عمل عقولنا، لنضمن أن لا نضل الطريق الصحيح للتغير والإصلاح. ولذا فإن قضية التغير المناخي - وهي أكبر تهديد يواجه البشرية بحسب منظمة الصحة العالمية-، لا تحتاج منا أن نجتهد في كشف المجتمعات السرية التي تدير العالم في غرف ظلماء !! أو أن نبحث عن الكائنات الفضائية التي تغير شكلها، وتسير النظام الدولي!!، بل تحتاج منا أن نحترم عقولنا، وأن نصغي بكل جوارحنا إلى صوت العلم بعيداً عن خيالات الأجندات والمؤامرات الدولية.
* مدير برنامج الطاقة والبيئة مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
إن هذا الميل الفكري لتفسير التحديات الكبري بشكل عام على أنها مؤامرة أو مخطط دولي سري يرجع في تصوري إلى قضيتين أساسيتين: الأولى متعلقة بكوننا نريد تفسيراً سريعاً لسبب هذه المعضلات، وبالأخص إذا كان هذا التفسير يخرجنا من دائرة المحاسبة والمسؤولية. وهذا الطرح يتسق مع طرح عالم النفس الشهير دانيال كانمان في كتابه « التفكير السريع والبطيء» حيث يقسم التفكير البشري بناءً على منهجين: فالأول يعمل بتلقائية ومن غير جهد يذكر، ويميل إلى تفسير الأمور لتعزيز الأفكار المتبناة مسبقاً، أما المنهج الثاني فهو يحتاج إلى جهد وتفكير، ويعمل وفقاً لمنطق وآلية. ومن هنا فإن أغلب الفكر المؤامراتي في القضايا البيئية نابع من المنهج الأول للتفكير، والذي يريد جواباً سريعاً بعيداً عن البحث والتنقيب في المخاطر البيئة على الطبيعية والإنسان بشكل علمي. فإلقاء اللوم على أحد الأطراف الخارجية، يجعلنا في حالة راحة نفسية حيث إننا ببساطة ليس الطرف الملام، ولسنا كذلك الطرف الذي يجب أن يعالج هذه المعضلات الصعبة.
أما القضية الثانية المسببة لتبني هذا الطرح المؤامراتي هو كوننا نميل بطبيعتنا لمثل هذا الطرح حيث إنه منسجم بشكل كبير مع رغباتنا ومخاوفنا وافتراضاتنا حول العالم. وإلى هذا المعنى يشير عالم النفس والأكاديمي روب براذرتون في كتابه «عقول متشككة: لماذا نصدق نظريات المؤامرة». حيث يقول: «إن نظريات المؤامرة نتاج لخيال شخص ما، وهي تلقى رواجاً لأنها تنسجم مع خيالات الآخرين. وخيالنا -نوع الأفكار التي نجدها جذابة ومعقولة». ويؤكد في كتابه أيضاً إلى أن تبني مثل هذا النهج في التفكير ليس نتيجة للوضع الاجتماعي أو التعليمي؛ فأصحاب نظريات المؤامرة قد يكونوا غير متعلمين أو أساتذة جامعيين، بل قد يكونون رؤساء وفائزين بجائزة نوبل. فوفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية فإن أربعة أمريكيين من بين كل عشرة تقريباً يرون أن التغير المناخي نوع من التدليس العلمي. ويرى أيضاً ما يقارب من ثلث الشعب الأمريكي أن الحكومة تُخفي على الأرجح أدلة على وجود مخلوقات فضائية.
وحتى نكون واقعيين في طرحنا، فلا أحد ينكر أنه قد يكون هناك بعض الدسائس والخطط التي تُرسم لأجل الحفاظ على مصالح بعض الجماعات. إلا أنه ما لا يمكن تقبله هو أن نبقى أسرى نظريات المؤامرة، والتي تجعلنا بعيدين عن الطرح العلمي المتوازن، والذي يمثل الطريق الصحيح لحل المشكلات التي نعيشها. إن ما نحتاجه اليوم لمعالجة تحيزاتنا الفكرية هو التعمق في فهم آلية عمل عقولنا، لنضمن أن لا نضل الطريق الصحيح للتغير والإصلاح. ولذا فإن قضية التغير المناخي - وهي أكبر تهديد يواجه البشرية بحسب منظمة الصحة العالمية-، لا تحتاج منا أن نجتهد في كشف المجتمعات السرية التي تدير العالم في غرف ظلماء !! أو أن نبحث عن الكائنات الفضائية التي تغير شكلها، وتسير النظام الدولي!!، بل تحتاج منا أن نحترم عقولنا، وأن نصغي بكل جوارحنا إلى صوت العلم بعيداً عن خيالات الأجندات والمؤامرات الدولية.
* مدير برنامج الطاقة والبيئة مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»