سفير صامت، يتحدث كل لغات العالم، تفتح له أغلب الأبواب المغلقة، لم يحصل على خبرته من جامعة، ولم ينضم إلى دورات تدريبية ليحترف العمل، إنه الوجه الحسن البشوش، فهو تأشيرة دخول لصاحبه، صالحة لكل مكان، والنظر إليه يسبق النظر إلى السيرة الذاتية بما تحتويه من شهادات وخبرات، به يتنقل صاحبه بين فرص العمل.الحكم على البشر بالعين يسبق العقل، ويقيم الإنسان بمظهره قبل جوهره، وهذا الحال عند أكثر البشر، وبعد ذلك يجرون تقييمهم على أساس العقل، وعلى هذا الأساس، بشاشة الوجه وحسن المظهر هي رأس مال حقيقي، فمع أن الكثيرين يضعون شروطاً للتوظيف تشمل الخبرات والشهادات والمهارات، إلا أن المعيار غير المعلن هو الوجه الحسن المقبول، وهو معيار يتربع على عرش الاختيار، ولكم في أهم المؤسسات والشركات أمثلة كثيرة، لا سيما أولئك الذين يواجهون العملاء، أما في مجال الإعلام فالأمر له أبعاد أكبر، فكم من مقدم لنشرة الأحوال الجوية لا علاقة له بها، ولا يعرف مصطلحات الأنواء الجوية، وكم من مقدمة للنشرة الاقتصادية علاقتها بالاقتصاد لا تتعدى معرفتها بوجود علم اسمه الاقتصاد، أما في عالم السياسة، فالسياسي صاحب الوجه المقبول يسلط الإعلام الضوء عليه أكثر من غيره، وكأن الكاميرات تدعوه لتمنحه الشعبية والتأييد، وعلى المستوى الاجتماعي تتفاخر الأم بذكاء ابنها، وعندما يكبر تبحث له عن عروس، وتبحث عن الجميلة أولاً، ومعيارها الأول الجمال، والمفارقة أننا عندما نتحدث في هذا الموضوع تكون عبارة (الجمال جمال الروح) هي أكثر العبارات حضوراً أمامنا لنستعيرها، لكن ممارساتنا عكس ذلك تماماً، نتذمر من الواسطة في العمل، لكننا نتعامل مع الوجه الحسن على أنه واسطة، وواسطة لها شأنها ولا يمكن رد طلبها، لذلك نجد أنفسنا أمام معادلة بسيطة: الوجه البشوش المقبول = فرص متعددة + قبول + نجاح، معادلة غير معلنة.لا شك أن إعادة النظر في هذه المعادلة أمر واجب، وكذلك إعادة النظر في المعايير والقيم التي نتعامل بها على أرض الواقع، فمن الأكيد أن المظهر الجذاب يجلب الفرص، لكنه لا يضمن لها أن تستمر، والوجه البشوش الحسن هو أفضل خطاب توصية، لكنه لا يكون بديلاً عن المهارة، فالموازنة بين الاثنين أمر مطلوب، وحتى ذلك الحين يبقى الوجه يسبق غيره.* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
الوجه يسبق
شرق وغرب
أ.د. فراس محمد
أ.د. فراس محمد