في زوايا المجتمع المنسية، خلف الابتسامات المزيفة وصخب الحياة اليومية، يكمن عالم صامت يعج بالمشاعر المكبوتة والأرواح التائهة. عالم المراهقين الذين يواجهون هشاشة نفسية لا يراها الكثيرون، لكنها تتعمق في قلوبهم ويخافون البوح بها لمن حولهم خشية الرفض. هذه الفترة من حياتهم، التي يُفترض أن تكون زاخرة بالأحلام والطموحات، تتحول في كثير من الأحيان إلى ساحة معركة ضد القلق، والاكتئاب، والتوتر والضعف في مواجهة التحديات الحياتية والشعور بالعدم.
تعرف الهشاشة النفسية للمراهقين بأنها حالة من الضعف النفسي أو عدم الاستقرار العاطفي التي تجعل المراهقين أكثر عرضة للضغوط والاضطرابات النفسية والمشاكل العاطفية. وقد تؤدي إلى صعوبات في الأداء الأكاديمي والاجتماعي.
فالهشاشة النفسية للمراهقين ليست مجرد مفهوم نظري نقرأ عنه في الكتب، بل هي واقع مؤلم يعيشه العديد من الشباب في كل يوم. ومن أهم أسباب تلك الحالة، التغيرات البيولوجية والهرمونية التي تصاحب هذه المرحلة العمرية والتي تجعلهم عرضة لتقلبات المزاج والانفعالات العاطفية الحادة. ولكن ليست التغيرات الداخلية وحدها هي التي تضغط على هؤلاء الشبان، بل أيضاً ضغوط المجتمع والأقران والتوقعات الأكاديمية التي تثقل كاهلهم.
فقد أفادت منظمة الصحة العالمية WHO بأن حوالي 10-20% من الأطفال والمراهقين يعانون من اضطرابات نفسية. كما كشفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن نسبة المراهقين الذين أفادوا بشعورهم بالحزن أو اليأس كانت تتزايد، وقد وصلت إلى نحو 36.7% في بعض الدراسات الأخيرة. أما الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) فقد أكدت أن الدراسات في العقد الأخير بينت زيادة في معدلات الاكتئاب والقلق بين المراهقين.
والسؤال الوارد من أولياء الأمور والمربين هنا، كيف نقُوّم تلك الهشاشة النفسية؟ والجواب بكل بساطة هو، تقبل هذه المرحلة من حياة ابنك أو ابنتك، فهي مرحلة وقتية وستمضي، التعامل معه بحذر، وباحترام وتقدير لما يمر به من تغييرات، ومساعدته على فهم نفسه، والوقوف بجانبه، وعدم التقليل من تأثير مشاعر الخوف لديه والانفتاح على أفكاره مهما كانت غريبة ومناقشتها بجديه وبهدوء، لا برفض وتعنت، فهو بحاجة إلى أن يفهمها ويفهم سبب إلحاحها عليه. لا تستنكر تصرفاته بحدة، بل اجلس إليه بحب، وناقشه بمنطق وباحتضان.
الهشاشة النفسية للمراهقين هي جرس إنذار يستدعي استجابة عاجلة من الجميع. علينا أن نصغي إلى صرخات الاستغاثة الخافتة التي تأتي من قلوبهم، وأن نكون بجانبهم في رحلة البحث عن الذات والتغلب على التحديات النفسية. بالتفهم والدعم، يمكننا أن نضيء دروبهم ونساعدهم على بناء مستقبل أكثر إشراقاً وسعادة.
* استشارية نفسية