صور توافد الحجاج على مشعر منى وبعدها وقوفهم بعرفة أعاد إلي ذكريات رحلتي إلى الديار المقدسة للحج العام الماضي والتي اعتبرها رحلة العمر وإحدى أروع التجارب الحياتية التي مررت بها على الإطلاق. وبصراحة غبطت كل من يتواجد في مكة في هذه الأيام العظيمة المباركة والتي يقترب فيها المرء من خالقه يدعوه ويناجيه ويطلب مغفرته، فهنيئا لهم تواجدهم في أطهر بقاع الأرض و في أجمل المواسم.
وذكرتني الصور بالمجهودات الكبيرة التي تبذلها البعثة البحرينية للحج ومعها حملات الحج المتعددة لتيسير أداء المناسك للحجاج القادمين من البحرين. فالحاج الذي يلتحق بحملة بحرينية سواء كان مواطناً أو مقيماً يطمئن إلى أن حجته ستكون مريحة وستحتوي على قدر كبير من التسهيلات مقارنة بالحجاج من دول أخرى الذين يضطر بعضهم إلى افتراش الطرقات بثياب الإحرام والمشي مسافات طويلة للتنقل من موقع إلى آخر تحت أشعة الشمس. فالحاج القادم من البحرين ينام في فندق نظيف ويتناول أجود أنواع الطعام ويتنقل بين المشاعر بباص فخم مكيف.
وتذكرت أيضاً أن لهذه التسهيلات والراحة مقابلاً مادياً تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح يتراوح ما بين ألفين ومئتي دينار وثلاثة آلاف دينار بعد أن كان حتى وقت قريب نصف هذه المبالغ وهذا أمر مع الأسف يشكل عائقاً للكثيرين لتأدية ركن الإسلام الخامس والمفروض النظر فيه ومراجعته لإتاحة الفرصة لأعداد أكبر لخوض التجربة الروحانية والدينية الأبرز في حياة المسلم.
وخلال مشاهدتي للصور عادت لي مشاعر الارتياح والسكينة والسكون التي صاحبت أداء المناسك والتي تجعل المرء في حالة جميلة من الطمأنينة، فالحاج يحلق عالياً وبعيداً عن مشاغل دنياه ويسلم نفسه لرب العالمين. ولعل هذا الجانب هو الأكثر أهمية في رحلة الحج وهو الشعور المنشود الذي يتمنى المرء أن يشعر به مراراً في حياته.
وتذكرت أيضاً حسن استعداد الشقيقة السعودية لتهيئة المكان لاستقبال ضيوف بيت الله سواء أمنياً أو من ناحية المرافق والخدمات. فالأيام العشرة التي قضيتها في مكة لم يكن فيها إزعاج أو سرقة أو مضايقة على الرغم من وجود مئات الألوف في بقعة أرض صغيرة. كما أن كل ما يحتاجه الحاج متوافر وسهل الوصول إليه. والواضح أنه عاماً بعد عام تتفوق السعودية على نفسها وتقدم تجربة رائعة للحاج لن ينساها طوال عمره.
كتب الله لي ولكم حج بيت الله الحرام مرة أخرى وكل عام وأنتم بخير.