تميّزت البحرين بسَعَة إقليمها وبموقعها الجغرافي المتميّز وامتداد سواحلها على الضفة الغربية للخليج العربيّ وقربها مع بلدان وأقاليم متعدّدة، فارتبطت مع أقاليم الجزيرة العربية بطرق داخلية برية، كما كانت ممراً طبيعياً للتجارة العالمية بين شرق العالم وغربه، وفي هذا الصدد يذكر البكري: «إنّ وقوع البحرين على الساحل الغربي من الخليج العربي أكسبها أهمية كبيرة، إذ تمر به أهم الطرق البحرية التجارية، وقد أدى ذلك إلى اتصالها بالعالم بالطرق البحرية، فهي ترتبط بفارس والهند والشرق الأقصى، كما ترتبط بعبادان والأبلة والبصرة وعُمان، وكانت سفن البحرين تصل إلى ميناء الجار في الحجاز...». كُل ذلك كفل للبحرين خصوصيتها، زاد من أهميتها ما اتسمت به الشخصية البحرينية من تحدٍ واستجابة وقدرة على توظيف العوامل الجغرافية للقيام بأنشطة اقتصادية متميّزة منها قيامهم بدور هام في التجارة والملاحة البحرية.- ملاحة وتجارة بحرية: استثمار وبراعة: استتباعاً لأهمية المنطقة الجغرافية والاستراتيجية تشير المصادر العربية بأنّ البحرين كانت قبل الإسلام المركز الرئيس للتجارة والملاحة في الخليج العربيّ، حيث ركب سكان البحرين البحر وبرعوا فيه، ساعد على ذلك ما تميزّوا به من معرفة بنظام الرياح وإتقانهم لركوب البحر، علاوة على استفادتهم من وفرة سواحلهم وضحالة مياهها، وامتلاكهم لمهارة صناعة السفن وإصلاحها، فاهتموا بالملاحة وصيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ. وبرزت في البحرين موانئ عدّة ترسو فيها مختلف السفن؛ حيث تنقّل سكانها نحو سواحل عُمان والأبلة ونحو السند والهند وفارس، وشرق أفريقيا، مواصلين التقاليد التجارية العريقة منذ عصر حضارة دلمون، ومستفيدين من وفرة الإنتاج الزراعي الداخلي وما يأتون به من تجارة الوساطة مع الحضارات المجاورة؛ حيث تستقبل البحرين بضائع الشرق وتشرف على نقلها (الترانزيت) إلى موانئ إيطاليا عبر الجزيرة العربية وبلاد الشام، بل وُجدت إشارات لاحتكار تجار البحرين تجارة النحاس، إضافةً لما يجنيه أهل المنطقة من الغوص بحثاً عن اللآلئ، فضلاً عن براعتهم في إنتاج مصنوعات حرفية مختلفة.- تجارة داخلية: أسواق ومواسم مزدهرة: وُجدت في البحرين قبل الإسلام أسواق تجارية بارزة، من أشهرها سوق هجر الذي تقصده العرب بعد سوق دومة الجندل، ويُشرف عليه حاكم البحرين آنذاك، كذلك سوق المشقر الذي تجتمع فيه القبائل العربية للبيع والشراء والمفاخرة الشعرية والأدبية. ونظرًا لموقع البحرين المتميّز على مشارف تهامة ونجد، وامتدادها البري باتجاه البصرة وعُمان، فقد شارك البحرينيون أهل البادية تجارتهم؛ فأُتيح لهم التنقل عبر أسواق تلك المناطق، كما هيمنوا على التجارة البرية داخل البحرين وعلى أطرافها، ونقلوا مختلف البضائع بين البر والبحر باستخدام القوافل، وحموها من الاعتداء، وبرعوا في معرفة الطرق والتنقّل بين الأسواق. ولضمان الأمن والاستقرار التجاري، انفتح سكان البحرين على قبائل الداخل عبر إبرام الأحلاف أو المصاهرة للحفاظ على الأمن وضمان انتظام الأسواق وتبادل البضائع. وهكذا كان لنفوذ البحرين على سكان البادية دور أساسي في ازدهار البيع والشراء والوساطة. وقد قامت معظم تجارة البحرين الداخلية على المواسم والأعياد، وقد رُتبت أوقات الأسواق مع الأشهر الحرم حيث يسودها الهدوء والسلام وهما ما تطلبه التجارة.- البحرين: من الموروث البحري إلى الريادة في التنمية: واليوم تواصل مملكة البحرين الاستفادة من موقعها الاستراتيجي والبنية التحتية البحرية المتطورة لتعزيز دورها كمركز إقليمي للتجارة والملاحة. حيث تشمل الجهود الحالية تطوير الموانئ والبنية التحتية اللوجستية، وتعزيز الربط البحري واللوجستي الإقليمي والعالمي. كما تركّز المملكة على التنمية المستدامة في القطاعات البحرية والصناعات ذات الصلة، مثل الطاقة المتجددة والسياحة البحرية، وبذلك تسعى البحرين إلى الاستفادة من تراثها البحري وموقعها الجغرافي لبناء مستقبل مستدام وقوي اقتصاديًا، ممّا يعكس الجهود المبذولة لربط الماضي بالحاضر والمستقبل في إطار رؤية التنمية المستدامة للمملكة.* باحث في التاريخ وأكاديمي
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90