يذكر الشاعر معروف الرصافي، أنه عندما عين في (مجلس المبعوثان) – مجلس النواب في الدولة العثمانية – نائباً عن لواء المنتفق – محافظة الناصرية في العراق حالياً – ذهب إلى إسطنبول للإقامة فيها حيث مقر المجلس، وتزامن ذلك مع وجود رفيقه الشاعر جميل صدقي الزهاوي، للغرض نفسه، فقد كان نائباً في المجلس عن بغداد، يقول نزلت في الفندق ذاته الذي يسكنه الزهاوي، وبعد مضي فترة من الزمن، ونحن نسكن في الفندق، وصلت الصحف المصرية إلى إسطنبول، وكان الرصافي قبل مجيئه قد كتب قصيدة يستنهض بها العرب، ويطالب بحقوقهم، وصادف أن إحدى الصحف المصرية التي وصلت إلى إسطنبول نشرت هذه القصيدة، ويبدو أن من هو في أعلى المناصب قرأ قصيدة الرصافي، وعلى الفور وفي صباح اليوم التالي وصلت الشرطة إلى الفندق واقتادت النائب الشاعر معروف الرصافي إلى مقر الصدر الأعظم – رئيس وزراء الدولة العثمانية – وهنا ارتعد الشاعران خوفاً من السلطان عبد الحميد الثاني، فقد كانت للزهاوي الميول ذاتها ويعد نفسه مع الرصافي في مركب واحد.
أما الرصافي فلم يكن أمامه إلا الذهاب مع الشرطة، وما أن واجه الصدر الأعظم إلا وتلقى منه عتباً شديداً على قصيدته التي كان مضمونها ضد «خليفة المسلمين» وأبلغه أن السلطان عبد الحميد اطلع على القصيدة وغضب، لكنه تمكن من تخفيف غضبه وحصل للرصافي على عفوه، وطلب الصدر الأعظم من الرصافي ألا ينشر مستقبلاً مثل هذه القصائد، فامتثل الرصافي لطلب الصدر الأعظم وشكره على موقفه، وخرج من حضرته، وهو مذهول من نجاته من هذا الموقف، فاستقل أول عربة متوجهاً إلى الفندق ليبشر صاحبه الزهاوي بنجاته والخلاص من عاقبة الفعل، يقول الرصافي دخلت مباشرة إلى غرفة الزهاوي فوجدتها قاعا ًصفصفاً، فلا الزهاوي ولا متاعه، فذهبت إلى صاحب الفندق وسألته أين جميل؟ فقال لي: أخذتك الشرطة من هنا، ورحل صاحبك من هنا! يقول: وبعد أربعة أيام التقيت الزهاوي، فقلت له: ما هذا الفرار يا جميل؟! فقال لي: أنت تريد ترمي نفسك بالبير، آنا ليش!
هكذا هو الحال مع أغلب البشر، وعبارة «آنا ليش» ما هي إلا سلوك يتخذه كثير من الذين يظنون أن الاستمرار بملازمة شخص أو قضية أو مؤسسة تضر بمسارهم المهني أو مصالحهم، فلا يغررك كثرة المجتمعين حول شخص، فمعظمهم سيختفي في لحظة، والأمر لا يتعلق بكونه صالحاً أو طالحاً بقدر تعلقه بمصالح من حوله، وينطبق ذلك على من يظهرون الولاء لفكرة أو جماعة أو عصابة أو ميلشيا أو دولة، فبمجرد أن يتغير حال من يلتفون حوله ستجد الانهيار حل في لحظة.
عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
أما الرصافي فلم يكن أمامه إلا الذهاب مع الشرطة، وما أن واجه الصدر الأعظم إلا وتلقى منه عتباً شديداً على قصيدته التي كان مضمونها ضد «خليفة المسلمين» وأبلغه أن السلطان عبد الحميد اطلع على القصيدة وغضب، لكنه تمكن من تخفيف غضبه وحصل للرصافي على عفوه، وطلب الصدر الأعظم من الرصافي ألا ينشر مستقبلاً مثل هذه القصائد، فامتثل الرصافي لطلب الصدر الأعظم وشكره على موقفه، وخرج من حضرته، وهو مذهول من نجاته من هذا الموقف، فاستقل أول عربة متوجهاً إلى الفندق ليبشر صاحبه الزهاوي بنجاته والخلاص من عاقبة الفعل، يقول الرصافي دخلت مباشرة إلى غرفة الزهاوي فوجدتها قاعا ًصفصفاً، فلا الزهاوي ولا متاعه، فذهبت إلى صاحب الفندق وسألته أين جميل؟ فقال لي: أخذتك الشرطة من هنا، ورحل صاحبك من هنا! يقول: وبعد أربعة أيام التقيت الزهاوي، فقلت له: ما هذا الفرار يا جميل؟! فقال لي: أنت تريد ترمي نفسك بالبير، آنا ليش!
هكذا هو الحال مع أغلب البشر، وعبارة «آنا ليش» ما هي إلا سلوك يتخذه كثير من الذين يظنون أن الاستمرار بملازمة شخص أو قضية أو مؤسسة تضر بمسارهم المهني أو مصالحهم، فلا يغررك كثرة المجتمعين حول شخص، فمعظمهم سيختفي في لحظة، والأمر لا يتعلق بكونه صالحاً أو طالحاً بقدر تعلقه بمصالح من حوله، وينطبق ذلك على من يظهرون الولاء لفكرة أو جماعة أو عصابة أو ميلشيا أو دولة، فبمجرد أن يتغير حال من يلتفون حوله ستجد الانهيار حل في لحظة.
عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية