تُشكّل البحرين إقليماً مهماً من أقاليم جزيرة العرب، بفضل موقعها الجغرافي، ونشاطها الاجتماعي والاقتصادي البارز، فضلاً عن تأثيرها الحضاري والثقافي على الشعوب والحضارات المجاورة، فقد اشتهرت البحرين بأسواقها وشعرائها وحكمائها منذ قرون عديدة قبل الإسلام. ومع بداية دخول الإسلام إليها أسلم أغلب أهلها طوعاً استجابةً لدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتبودلت الرسائل والوفود بين زعماء وأهل الإقليم مع الرسول صلى الله عليه وسلم إعلاناً للولاء والبيعة للدولة الإسلامية، الأمر الذي أكسب البحرين مزايا جديدة من نظم إدارية واقتصادية وتغيرات ثقافية، ممّا أعظم من أهميتها وأثرها في شتى المجالات، واستحقت بذلك ثناء النبي صلى الله عليه وسلم ودعاءه واهتمامه الذي أضفى على البحرين وأهلها فضائل جديدة.
وممّا يثبت دخول نفر من أهل إقليم البحرين للإسلام منذ وقتٍ مبكر ما تشير إليه الروايات التاريخية بأنّ بعض قبائل البحرين قد عرفت الإسلام وسمعت به منذ العهد المكي حيث التقى النبي صلى الله عليه وسلم في أحد مواسم الحج بمكة بوفد من من بني ذهل بن شيبان من قبيلة بكر بن وائل وضم الوفد "المثنى بن حارثة، ومفروق بن عمرو، وهاني بن قبيصة، والنعمان بن شريك" وعرض عليهم الدخول في الإسلام، وكان ذلك قُبيل معركة ذي قار الشهيرة فوعدوه خيراً قائلين: "إنّ بيننا وبين الفرس حرباً فإذا فرغنا ما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا بما تقول"، فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر وجعلوا من اسم رسول الله شعاراً لمعركتهم، وتحقق لهم النصر المؤزر، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم انتصارهم فرح بذلك وقال: "هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم وبي نصروا" وورد أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بوفد من قبيلة عبد القيس من البحرين ودعاهم إلى الإسلام، ولما سمع المنذر بن الحارث المعروف بالأشج وهو من زعماء قبيلة عبد القيس في البحرين من أحد أصدقائه الرهبان بدارين عن ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فأرسل على أثر ذلك صهره وابن أخته عمرو بن عبد القيس إلى مكة للاستطلاع عن أخبار رسول الله ودعوته وكان ذلك قُبيل هجرة المسلمين إلى المدينة، فأسلم عمرو وطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو خاله المنذر إلى الإسلام، ثم عاد إلى البحرين وأخبر خاله بما رآه وسمعه، وعندئذٍ أسلم الأشج المنذر بن حارث وكتم إسلامه وفقاً لبعض الروايات، وورد أيضاً بأنّ أحد وجهاء قبيلة بكر بن وائل بالبحرين وهو ظبيان بن مرشد الشيباني قد أسلم قبل فتح مكة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة حُنين سنة 8هـ-629م وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه قبيلة بكر بن وائل في البحرين بكتاب يدعوهم فيه للإسلام.
كُل ذلك مهّد لاستجابة أهل البحرين للدعوة الجديدة، إلّا أنّ انتشار الإسلام بشكل واضح وكبير في إقليم البحرين كان في السنة 8هـ-629م على أثر وصول الصحابي الجليل العلاء بن عبدالله الحضرمي رضي الله عنه حاملاً معه رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك وزعماء البحرين يدعوهم فيها إلى الإسلام، لتصبح البحرين أحد المراكز المهمة في العالم الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي وحتى يومنا هذا.
* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربيّ