تعدّدت مراسلات النبي محمد ﷺ وأهل البحرين، حيث تعد هذه الرسائل وثائق تاريخية ثمينة تبرز الهدف السامي للرسالة الإسلامية وقيمتها النبيلة، وتأكّد لنا أهمية إقليم البحرين ومكانته، وفيما يلي نص الرسالة الثانية التي أرسلها النبي ﷺ للمنذر بن ساوى التميمي حاكم البحرين والتي تحمل في طياتها العديد من المضامين والدلالات الجديرة بالتأمّل والتحليل.
نص الرسالة: جاء نص الرسالة كالآتي:" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام علبك، فإني أحمد الله الذي لا إله غيره وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذكر الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية. محمد رسول الله".
أبرز المضامين: تضمّنت الرسالة مخاطبة النبي ﷺ للمنذر بن ساوى على أنه مسلم استجاب لدعوة النبي ﷺ ودخل في الإسلام وحسُن إسلامه، كذلك ورد فيها طلب النبي ﷺ من المنذر ان يكون ناصحاً نصوحاً مطيعاً لرسل الرسول ﷺ فإن في ذلك نصح وطاعة لرسول الله ﷺ ، كما بين النبي ﷺ للمنذر في رسالته بان رسل الرسول ﷺ ومنهم العلاء الحضرمي قد ذكروا المنذر بالثناء والمدح والتقدير، وقد أكد النبي ﷺ للمنذر بأنه قد قبل شفاعته في قومه وعفا عن أهل الذنوب منهم، أضف لذلك فقد بين النبي ﷺ للمنذر بأنه أبقاه بعد إسلامه حاكماً على البحرين، وختاماً جاء فيها فرض الجزية على من يدخل في الإسلام من يهود ومجوس وغيرهم وفي ذلك إجابة لتساؤل المنذر في رسالته السابقة التي أرسلها للنبي ﷺ.
الإسلام دين الرحمة والهداية: تبرز لنا الرسالة بأنّ الهدف الأساسي للإسلام هو هداية البشرية وإصلاح المجتمعات لا السيطرة السياسية كما ذهب بعض المستشرقين، فعلى الرغم من إسلام المنذر وتولي حكم البحرين إلا أنّ النبي ﷺ أبقاه في منصبه ولم يعزله أو يستبدله؛ في إشارة ودليل على أنّ الإسلام لا يهدف للسيطرة السياسية بقدر ما يهدف لتحقيق الإصلاح والهداية.
السمع والطاعة: تؤكّد لنا الرسالة قيمة السمع والطاعة في الإسلام، فقد طلب النبي ﷺ من المنذر أن يكون ناصحاً نصوحاً مطيعاً لرُسُل الرسول ﷺ، معززاً أنّ في ذلك نصح وطاعة لرسول الله، وهنا يبرز لنا أهمية الالتزام بالسمع والطاعة للقيادة وولاة الأمر في الإسلام.
القيم الإنسانية: أكّدت الرسالة القيم الإنسانية كالثناء والمدح والتقدير، فقد ذكر النبي ﷺ أنّ رسله كالعلاء قد أثنوا على المنذر وأشادوا بما يتمتع به من خصال؛ ممّا يدل على أهمية هذه القيم في الإسلام. كذلك تبرز قيمة العفو والرحمة في الإسلام في ذكر النبي ﷺ للمنذر بأنه قد قبل شفاعته في قومه وعفا عن أهل الذنوب منهم. كما يضرب لنا مثلاً في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى فقد فرض عليهم الجزية دون إكراه أو إيذاء ممّا يشير إلى تعامل الإسلام مع أتباع الديانات المختلفة بعدل وحكمة وإنسانية. ففي مجمل هذه المضامين، تتجلّى الرؤية الإنسانية السامية للإسلام، والتي تؤكّد على قيم السلام والعدل والرحمة والتعايش السلمي بين البشر على اختلاف معتقداتهم الدينية.
التعايش السلمي: إرث مشرق: إنّ تأمل هذه الرسالة النبوية وتتبع النصوص الواردة فيها يؤكد لنا أهمية إقليم البحرين حيث تشرّفت بمراسلات النبي ﷺ واهتمامه، وكذلك حرص البحرين على أن يكون انضمامها للواء الدين الإسلامي ودولته فاعلاً ومكتملاً، كما يظهر بجلاء أنّ الإسلام دين رحمة وإصلاح للبشرية لا دين سيطرة وعنف، وتتجلى فيها بوضوح القيم الإنسانية السامية في الإسلام، وهذا كله يؤكّد أنّ الإسلام جاء لهداية البشرية لطريق الخير والسلام وليحقق قيم التعايش السلمي والتكامل بين جميع البشر والأمم والحوار بين الثقافات والحضارات. وإنّطلاقاُ وانسجاماً مع هذا الفكر النيّر والنهج الحكيم للدين الإسلامي ،جاءت الرؤية الثاقبة لقيادة مملكة البحرين الرشيدة، والتي توجت حديثاً في صدور الأمر الملكي السامي من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه بإنشاء" جائزة الملك حمد للتعايش السلمي" ذات الطابع الدولي والتي تُمنح للأشخاص والمنظمات والمؤسسات البارزة الداعمة للحوار بين الحضارات، ذات المساهمة الفاعلة في نشر قيم السلام والتسامح والتعايش الإيجابي بين شعوب العالم بما يعكس حرص قيادة مملكة البحرين على نشر قيم السلام والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان في العالم، وتبنّي ثقافة السلام والتعاون الدولي، وتجسّد الرؤية الثاقبة لقيادة مملكة البحرين في بناء عالم أكثر أماناً وسلاماً للجميع.
* باحث في التاريخ وأكاديمي
{{ article.visit_count }}
نص الرسالة: جاء نص الرسالة كالآتي:" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام علبك، فإني أحمد الله الذي لا إله غيره وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذكر الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية. محمد رسول الله".
أبرز المضامين: تضمّنت الرسالة مخاطبة النبي ﷺ للمنذر بن ساوى على أنه مسلم استجاب لدعوة النبي ﷺ ودخل في الإسلام وحسُن إسلامه، كذلك ورد فيها طلب النبي ﷺ من المنذر ان يكون ناصحاً نصوحاً مطيعاً لرسل الرسول ﷺ فإن في ذلك نصح وطاعة لرسول الله ﷺ ، كما بين النبي ﷺ للمنذر في رسالته بان رسل الرسول ﷺ ومنهم العلاء الحضرمي قد ذكروا المنذر بالثناء والمدح والتقدير، وقد أكد النبي ﷺ للمنذر بأنه قد قبل شفاعته في قومه وعفا عن أهل الذنوب منهم، أضف لذلك فقد بين النبي ﷺ للمنذر بأنه أبقاه بعد إسلامه حاكماً على البحرين، وختاماً جاء فيها فرض الجزية على من يدخل في الإسلام من يهود ومجوس وغيرهم وفي ذلك إجابة لتساؤل المنذر في رسالته السابقة التي أرسلها للنبي ﷺ.
الإسلام دين الرحمة والهداية: تبرز لنا الرسالة بأنّ الهدف الأساسي للإسلام هو هداية البشرية وإصلاح المجتمعات لا السيطرة السياسية كما ذهب بعض المستشرقين، فعلى الرغم من إسلام المنذر وتولي حكم البحرين إلا أنّ النبي ﷺ أبقاه في منصبه ولم يعزله أو يستبدله؛ في إشارة ودليل على أنّ الإسلام لا يهدف للسيطرة السياسية بقدر ما يهدف لتحقيق الإصلاح والهداية.
السمع والطاعة: تؤكّد لنا الرسالة قيمة السمع والطاعة في الإسلام، فقد طلب النبي ﷺ من المنذر أن يكون ناصحاً نصوحاً مطيعاً لرُسُل الرسول ﷺ، معززاً أنّ في ذلك نصح وطاعة لرسول الله، وهنا يبرز لنا أهمية الالتزام بالسمع والطاعة للقيادة وولاة الأمر في الإسلام.
القيم الإنسانية: أكّدت الرسالة القيم الإنسانية كالثناء والمدح والتقدير، فقد ذكر النبي ﷺ أنّ رسله كالعلاء قد أثنوا على المنذر وأشادوا بما يتمتع به من خصال؛ ممّا يدل على أهمية هذه القيم في الإسلام. كذلك تبرز قيمة العفو والرحمة في الإسلام في ذكر النبي ﷺ للمنذر بأنه قد قبل شفاعته في قومه وعفا عن أهل الذنوب منهم. كما يضرب لنا مثلاً في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى فقد فرض عليهم الجزية دون إكراه أو إيذاء ممّا يشير إلى تعامل الإسلام مع أتباع الديانات المختلفة بعدل وحكمة وإنسانية. ففي مجمل هذه المضامين، تتجلّى الرؤية الإنسانية السامية للإسلام، والتي تؤكّد على قيم السلام والعدل والرحمة والتعايش السلمي بين البشر على اختلاف معتقداتهم الدينية.
التعايش السلمي: إرث مشرق: إنّ تأمل هذه الرسالة النبوية وتتبع النصوص الواردة فيها يؤكد لنا أهمية إقليم البحرين حيث تشرّفت بمراسلات النبي ﷺ واهتمامه، وكذلك حرص البحرين على أن يكون انضمامها للواء الدين الإسلامي ودولته فاعلاً ومكتملاً، كما يظهر بجلاء أنّ الإسلام دين رحمة وإصلاح للبشرية لا دين سيطرة وعنف، وتتجلى فيها بوضوح القيم الإنسانية السامية في الإسلام، وهذا كله يؤكّد أنّ الإسلام جاء لهداية البشرية لطريق الخير والسلام وليحقق قيم التعايش السلمي والتكامل بين جميع البشر والأمم والحوار بين الثقافات والحضارات. وإنّطلاقاُ وانسجاماً مع هذا الفكر النيّر والنهج الحكيم للدين الإسلامي ،جاءت الرؤية الثاقبة لقيادة مملكة البحرين الرشيدة، والتي توجت حديثاً في صدور الأمر الملكي السامي من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه بإنشاء" جائزة الملك حمد للتعايش السلمي" ذات الطابع الدولي والتي تُمنح للأشخاص والمنظمات والمؤسسات البارزة الداعمة للحوار بين الحضارات، ذات المساهمة الفاعلة في نشر قيم السلام والتسامح والتعايش الإيجابي بين شعوب العالم بما يعكس حرص قيادة مملكة البحرين على نشر قيم السلام والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان في العالم، وتبنّي ثقافة السلام والتعاون الدولي، وتجسّد الرؤية الثاقبة لقيادة مملكة البحرين في بناء عالم أكثر أماناً وسلاماً للجميع.
* باحث في التاريخ وأكاديمي