جون مورتيمر، محامٍ إسكتلندي، اشتهر ببراعته القانونية، بالإضافة إلى حسه الساخر، ذات يوم تولى قضية رجل متهم بسرقة الأموال العامة، أما المواد المسروقة فكانت عبارة عن حزمة من الورق من مكتبه الحكومي، ومع أن المسروقات تافهة، إلا أنها تُعد أضراراً بالممتلكات العامة، وفي سلوكه خرق المتهم القوانين، فأُحيل إلى إحدى المحاكم البريطانية، عندما وقف مورتيمر أمام القاضي وجد أن الأدلة دامغة وواضحة وتدين موكله، فما كان منه إلا أن قال: «سيدي القاضي، إن موكلي ليس سارقاً كما تدّعي النيابة العامة، بل هو رجل يقدّر قيمة الموارد الحكومية، ولا يريد أن يضيّع شيئاً، في الحقيقة، لم يأخذ الورق إلى منزله ليسرقه، بل ليستخدمه بشكل مثالي وفعّال بدلاً من تركه يتراكم في المكتب، مما يمثل استخداماً أكثر فاعلية لموارد الدولة!» هنا ضحك القاضي والجمهور في المحكمة، وأدرك القاضي أنه أمام مراوغة ساخرة من المحامي للتخفيف من خطورة الجريمة، فقرر إيقاع عقوبة بسيطة على المتهم تمثلت بتغريمه مبلغاً بسيطاً، وأشاد بروح الفكاهة التي أظهرها المحامي ليبرر فعل موكله الذي لا يُمكن تبريره.
في كليات القانون، يتعلّم الطلبة مجموعة من مهارات وفنون الدفاع، والهجوم، وصياغة العقود، وتفسير القوانين، لكن لا أحد يخبرهم أن المراوغة القانونية أسلوب حياة، بالإضافة إلى كونها مهارة وفناً، وهي واحدة من أسباب نجاح المحامي أو القانوني التي لا تذكرها كتب دراسة القانون، في الواقع هي أسلوب اعتاد عليها أكبر وأمهر القانونيين، وكثير منهم حوّلوا أصعب المواقف إلى لحظات فكاهية نجحوا فيها في الدفاع عن موكليهم دون تجاوز لحدود الصدق، وتجلّت عبقريتهم في تأويل القوانين التي طالما تعامل معها طلبة كلية القانون على أنها نصوص صارمة لا تحتمل المرونة، في حين أن عمل المحامي أو القانوني يتطلّب سعة في تفسير التي قد تتجاوز تفسير القانون نفسه إلى تفسير الظروف، لاسيما إذا كانت النصوص صارمة وواضحة ولا يمكن تأويلها، وهذا ما يميز القانوني البارع عن غيره، فمهما كانت الأدلة واضحة ضد الموكل، تبقى أمام المحامي أو القانوني فرصة الانتفاع من التفاصيل المتاحة لديه، والتي ربما يكون ظاهرها غير مفيد، ففي حقيقة الأمر يعتمد القانون على القدرة على الإقناع، وكلما كانت هناك فرصة لتقديم حجة جذابة ومبتكرة، كلما كانت هناك فرصة لإقناع القاضي أو من يمتلك القرار.
العمل القانوني، لا يقوم على المعرفة القانونية فقط، إنما يحتاج إلى فن وبراعة في تفسير الوقائع والظروف، والنجاح فيه يتطلب المراوغة القانونية والقدرة على استخدام كل أداة متاحة، حتى لو كانت مجرّد تفسير وتأويل للظروف، وهذه المراوغة ليست مجرّد تقنية من تقنيات الدفاع، بل هي أسلوب حياة يجب على طلبة القانون تعلمه وإتقانه قبل أن ينخرطوا في سوق العمل.
* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية
في كليات القانون، يتعلّم الطلبة مجموعة من مهارات وفنون الدفاع، والهجوم، وصياغة العقود، وتفسير القوانين، لكن لا أحد يخبرهم أن المراوغة القانونية أسلوب حياة، بالإضافة إلى كونها مهارة وفناً، وهي واحدة من أسباب نجاح المحامي أو القانوني التي لا تذكرها كتب دراسة القانون، في الواقع هي أسلوب اعتاد عليها أكبر وأمهر القانونيين، وكثير منهم حوّلوا أصعب المواقف إلى لحظات فكاهية نجحوا فيها في الدفاع عن موكليهم دون تجاوز لحدود الصدق، وتجلّت عبقريتهم في تأويل القوانين التي طالما تعامل معها طلبة كلية القانون على أنها نصوص صارمة لا تحتمل المرونة، في حين أن عمل المحامي أو القانوني يتطلّب سعة في تفسير التي قد تتجاوز تفسير القانون نفسه إلى تفسير الظروف، لاسيما إذا كانت النصوص صارمة وواضحة ولا يمكن تأويلها، وهذا ما يميز القانوني البارع عن غيره، فمهما كانت الأدلة واضحة ضد الموكل، تبقى أمام المحامي أو القانوني فرصة الانتفاع من التفاصيل المتاحة لديه، والتي ربما يكون ظاهرها غير مفيد، ففي حقيقة الأمر يعتمد القانون على القدرة على الإقناع، وكلما كانت هناك فرصة لتقديم حجة جذابة ومبتكرة، كلما كانت هناك فرصة لإقناع القاضي أو من يمتلك القرار.
العمل القانوني، لا يقوم على المعرفة القانونية فقط، إنما يحتاج إلى فن وبراعة في تفسير الوقائع والظروف، والنجاح فيه يتطلب المراوغة القانونية والقدرة على استخدام كل أداة متاحة، حتى لو كانت مجرّد تفسير وتأويل للظروف، وهذه المراوغة ليست مجرّد تقنية من تقنيات الدفاع، بل هي أسلوب حياة يجب على طلبة القانون تعلمه وإتقانه قبل أن ينخرطوا في سوق العمل.
* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية