في ضوء الأحداث الإقليمية المتسارعة والمتشابكة، بات من الواضح أن هناك قوى لا تكتفي بممارسة أبشع الجرائم كالتطهير العرقي والقتل العشوائي، بل تعمل بجد على ضرب الوحدة الاجتماعية داخل الأوطان. هذه القوى لا تعتمد فقط على القوة العسكرية والسياسية، بل تلجأ أيضاً إلى اللعب على وتر العواطف والمشاعر، وهو سلاح العاطفة الذي يُستخدم في إثارة الفتن بين أفراد المجتمع الواحد، وتقليب النفوس بينهم، في محاولة لتفكيك العلاقات بين أبناء الوطن الواحد.
اليوم، أصبح الوعي واليقظة ضرورة قصوى، وليست مجرد خيار. فالأوطان التي تنجح في مواجهة التحديات الكبرى هي تلك التي توحد صفوفها، وتبقى صامدة أمام العواصف. غير أن هذه الوحدة لا تتحقق بالشعارات أو الخطابات، بل من خلال فهم عميق للمحاولات التي تستهدف تفتيت المجتمع وتفريق الناس عن طريق إثارة الانقسامات وبث بذور الكراهية. ويجب أن نكون مدركين لهذه المحاولات الخبيثة التي تحاول تقسيم الوطن من الداخل، بهدف إضعافه وإشغال شعوبه بصراعات داخلية تلهيهم عن الخطر الحقيقي.
المنطقة تشهد اليوم سلسلة من الصراعات التي تقودها أطراف خارجية، لكن الهدف الحقيقي من وراء هذه الصراعات يجب أن يكون واضحاً للجميع. إنه محاولة لزرع الكراهية والتفرقة بين أبناء المنطقة والوطن، وتحويل الجار إلى عدو. الأهم أن نعلم أن العدو الحقيقي ليس بيننا، بل هو خارجي، يراقب وينتظر اللحظة المناسبة لإشعال المزيد من الفتن وتقويض الوحدة الوطنية التي تمثل السد المنيع أمام مخططاته. إن هذه القوى الخارجية تعرف جيداً أن الأوطان التي تتمتع بوحدة صف وتماسك اجتماعي تكون عصية على الاختراق، لذا تسعى بكل الطرق الممكنة لإثارة الفوضى من الداخل.
وقد رأينا قبل أيام كيف قام تلميذ الشيطان برفع خرائط للشرق الأوسط، مقسمة المنطقة بين ما أسموه «النقمة» و«النعمة»، لكن تلك الخرائط لم تكن محاولة لإظهار المشاعر الحقيقية تجاه هذه الدول، فالمشاعر الشخصية تبقى أمراً خاصاً بهم. بل كانت هناك نية خفية لتوجيه رسائل مبطنة تهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية، محاولين تصوير الوضع وكأن هناك فريقاً يقف إلى جانبهم، وآخر ضدهم. لقد أوهموا أنفسهم والآخرين بأن من يقف معهم هو خصم للطرف الآخر، وبأن هذه الفتنة الطائفية يمكن أن تتحول إلى واقع ملموس في مجتمعاتنا.
لكن، ما يجهله هؤلاء هو أن شعوب المنطقة، رغم كل المحاولات لزرع الفتنة، أقوى من هذه المخططات. الوحدة الوطنية التي تربط بين أبناء الوطن، والتماسك القائم على القيم المشتركة، هو الحصن المنيع أمام كل من يسعى إلى تمزيق الصفوف. يجب علينا أن نكون في غاية الحذر، وألا نسمح لأي أحداث إقليمية، مهما كانت شدتها، أن تمزقنا من الداخل.
إن العدو الذي يمارس الجرائم ضد الإنسانية في مناطق النزاع، هو نفسه الذي يستخدم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب بمشاعر الناس وبث الشائعات. لا يجب أن نقع في فخ هذه الاستراتيجيات التي تعتمد على استغلال العواطف وتحويل الأحداث إلى أداة للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد. من يستخدم الإعلام كأداة للتحريض على الكراهية يحاول بشكل مستمر التلاعب بمشاعر المواطنين، مستغلاً الفوضى والاضطرابات لتقسيم المجتمعات وإشعال الفتن.
إن التحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو إدراك حجم المخاطر التي تحيط بنا. فالوحدة والتكاتف هما مفتاح تجاوز هذه المحن. علينا أن نكون حذرين من الانجراف خلف العواطف التي لا تعكس الواقع، وأن نكون أكثر وعياً بما يحدث حولنا. فلا يجب أن نسمح لأي قوة خارجية أن تمزقنا من الداخل أو أن تجعلنا نتخلى عن قيمنا ووحدتنا التي هي مصدر قوتنا الحقيقية، وأن نلتف بكل قوة وإصرار حول قيادتنا ووطننا في سبيل تجاوز كل أصوات الشر والفتنة، وأن يكون شعارنا واضحاً بأننا جسد واحد في مواجهة الفتن.