الساعة الحادية عشرة صباحاً، أجلس هنا في قاعة انتظار محكمة الأسرة، المكان يعج بالسيدات، كلهن في انتظار دورهن، لكل منهن حكاية، وخلف كل وجه قصة، في محكمة الأسرة الحزن يخيم على المكان، ليس هذا بالمكان الذي ترى فيه الناس تضحك كما هو الحال في قاعات الانتظار الأخرى مثلاً.سيدات يلفهن الحزن كل واحدة منهن تجلس مع نظرات مختلفة، ترقب، خوف، قلق، لا شيء أكثر إنها قاعة الانتظار الأكثر بؤساً في العالم، إحداهن تتحدث عبر الهاتف مع صديقتها، تعبر لها عن كم المشاعر المختلطة التي يغزوها مزيج من الألم والخوف في انتظار النطق بالحكم في قضية حضانة أبنائها، (الخوف لا يصف مشاعري) قالت بصوت خافت لا يكاد يسمع، (ماذا لو قرر القاضي أنني لا أستحق الحضانة؟)تساءلت... كيف ستشعر. أماً حملت بين جسدها طفلاً تسعة أشهر بين وهن، وتعب، وأنجبته ورعته بحب وحنان عندما يُحكم عليها أنها لا تستحق الحضانة؟ كيف لأي كان أن ينام ليلاً وهو يعلم أنه حرم أماً من طفلها، وحرم طفلاً من حنان أمه؟ بكت السيدة خوفاً، وأفقد صوتها الباكي معنى الكلمات...في الجانب الآخر هناك جلست سيدة أخرى تمسك بيد طفلها الذي لم يتجاوز عمره السبعة أعوام، تمسك يده بقوة وكأن أحدهم سيأخذه من بين يديها، قالت تطمئن نفسها وهي تخاطبه «بسرعة بنخلص وبنرجع البيت مع بعض حبيبي، سمعت مع بعض حبيبي، وبنشتري بيتزا اللي تحبه للغدا»فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً جلست وحيدة، بعينيها لا ترى أمامها إلا مستقبلاً مجهولاً، تساءلت بيني وبين نفسي: هذه الفتاة صغيرة جداً متى تزوجت من الأساس لتتطلق؟ كيف سمح لها أهلها أن تتزوج وكم كان عمرها؟
الفتاة ترتدي ملابس مراهقة، جينزاً واسعاً مع كنزة حاولت بها إخفاء ما تستطيع من معالم أنثى محطمة في عمر الزهور، وضعت على رأسها شالاً تخفي به وجهها وكأنها خائفة من أن يتعرف عليها أحدهم، امرأة أخرى مرت أمامها استوقفها منظر الفتاة غير المرتب، اقتربت بابتسامة حب، ومدت يدها ترتب شعر الفتاة الذي كان مبعثراً فوق الشال، الفتاة بنظرة حب وامتنان رفعت رأسها شاكرة تنظر للسيدة، هذه السيدة لا تعلم أنها بحركة بسيطة لطيفة، أزاحت بيدها هماً من قلب فتاة بريئة صغيرة السن، تجلس وحدها في رواق المحكمة، هذه الفتاة كان يجب أن تجلس الآن على مقعد الدراسة الجامعية لا مقعد الانتظار في محكمة الأسرة.
بعصبية وغضب تخرج امرأة من إحدى القاعات، وتجلس على أحد المقاعد، أكاد أشعر بقوة دقات قلبها وهي تتحدث بغضب وأنفاسها تتصارع للخروج، قالت «لن أسمح له بزيارة أبنائي ما حييت» صمتت تحاول السيطرة على ما بقي من قوة داخلها، غريبة تلك القصص التي تراها وتسمعها، غريب كيف تتمزق الأسر، كيف يهجر زوجاً بيته؟ وكيف ترحل أماً تاركة أبناءها، كيف يكبر طفلاً سنوات وسنوات في أيام، وهو يحاول أن يفهم الصراع الذي فتك بأسرته، وجعله أداة تُستخدم في حرب لم يبدأها هو، بل كان ضحيتها.لا وجه يبتسم هنا الكل يجلس حاملاً فوق كتفيه هماً لا يعلمه أحد، لا أحد ظالم ولا أحد مظلوم، كل من في هذه القاعة هو ضحية، ضحية لقرار اتخذه هو أو أحد آخر دمر به نفساً، وهدم به منزلاً، لم يبقَ منه إلا أوراق نزاع على حق لا تعلم لمن هو ولا على من.
الخلاصة:
رسالة إلى كل أم وأب، في عصرنا الحديث أصبح قرار الزواج من أصعب القرارات التي من الممكن أن تُتخذ، لم يعد الحكم على شخص أنه صالح للزواج بالسؤال عنه، فكل المعلومات المتناقلة قابلة للتزييف، أبناؤك سواء كانت فتاة أو شاب هم أمانة تريث وابحث قبل أن تعطي فلذة كبدك لمن لا رحمة في قلبه، اختر الزوج والزوجة الصالحين القادرين على تحمل المسؤولية والوفاء بالوعد والعهد.