برعاية كريمة من لدن جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، وبحضور سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، تم اختتام فعاليات دورة الألعاب المدرسية الدولية التي احتضنتها مملكة البحرين، والتي ضمت أكثر من 5,000 رياضي ورياضية من 71 دولة من دول العالم، تنافسوا ضمن 26 رياضة متنوعة، والتي حققت منها مملكة البحرين 66 ميدالية بينها 13 ذهبية، واحتلت البحرين المركز الـ13 بين الدول المشاركة، وهذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة جهد حثيث وعمل متفانٍ من قِبل اللجنة المنظمة برئاسة سعادة وزير التربية والتعليم الدكتور محمد بن مبارك جمعة وفريق عمله. وبعدما أُسدل الستار على هذا الحدث الكبير نجد أن هذا الحدث الرياضي الضخم لم يقتصر دوره على كونه بطولة رياضية فحسب، بل أضحى مناسبة ذات أبعاد متعددة تسلّط الضوء على قوة البحرين كوجهة عالمية تجمع بين الرياضة والثقافة والانفتاح الإعلامي، وتثبت قدرتها مرة أخرى أمام العالم على تنظيم كبرى الفعاليات على مختلف أنواعها بفضل سواعد شبابها وخبرتهم وقيادتهم الحكيمة. وبحكم تخصّصي في الإعلام والاتصال، الإنجاز الأهم الذي لفت انتباهي هو ما جعل هذا الإنجاز أعمق، وهو الدور البارز لوسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى أداة قوية لنقل هذه التجربة الفريدة للعالم، فمنصات السوشيال ميديا على اختلافها وعلى رأسها «تيك توك»، لعبت دوراً محورياً في تعزيز حضور البحرين على الساحة الدولية بفضل تفاعل الشباب الرياضي من مختلف الجنسيات مع جمهورهم، فكل رياضي منهم عبر صوره ومقاطع الفيديو التي توثق لحظاته اليومية في البحرين، أصبح بمثابة سفير غير رسميّ يساهم في نقل ثقافة البحرين وإبراز جوانبها الجذابة، ما أحدث تأثيراً غير مخطط له يمتاز بالعفوية والمصداقية، خاصة مع وجود التخطيط المسبق والبرامج المرتبة للوفود عبر الزيارات للأماكن التأريخية والتراثية التي تعكس تاريخ وأصالة وعروبة مملكة البحرين. هذه المشاركات والمنشورات التي انطلقت للعالم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لم تكن مجرّد توثيق للحظات الفوز والمشاركة فقط، بل امتدت إلى مشاهد تجمع بين البحرين الجميلة وتجربة رياضية فريدة، حيث أظهر هؤلاء الشباب البحرين كبلد حافل بالتنوع والانفتاح، مما جعل ملايين من متابعيهم يرون البحرين بعيون جديدة، بعيداً عن الصورة النمطية، وكدولة صغيرة في موقعها الجغرافي، ولكن كبيرة بطموحها وقدرتها على تنظيم أحداث عالمية بكل حرفية، والفئة المستهدفة هم أولئك الذين في أعمارهم وينظرون للمستقبل آملين باستكشافه يوماً ما. إن القوة الحقيقية في هذا النوع من التسويق، أو ما يعرف بتأثير «كلمة الفم الرقمية Digital word-of-mouth»، تكمن في أن التوصيات المبنية على التجارب الشخصية تحمل مصداقية لا تقارن بأي نوع آخر من الإعلانات، فعندما يشاهد متابع شاب من بلد بعيد، مقطعاً يوثق لحظات رياضيين يستمتعون بتجربتهم في البحرين، يتحرك الشعور الداخلي لديه تلقائياً ليبحث ويتعرّف، وربما يضع البحرين على قائمة وجهاته المستقبلية، فالتجربة الشخصية والمباشرة تخلق رغبة غير مباشرة لدى المتابعين لعيش تجربة مشابهة، وهذا ما يجعل الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ذات تأثير قوي ودائم. على مدار أيام البطولة، حققت المنشورات حول الفعالية ملايين المشاهدات على مختلف المنصات، مما يبرز أهمية الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للترويج الوطني والتسويق السياحي، إذ لم يكن يتطلب الأمر ميزانيات ضخمة أو حملات إعلانية موجهة؛ بل كان نجاح الدورة وانطباعات الرياضيين كفيلين بتعزيز صورة البحرين وإبرازها كوجهة تحتضن الجميع بكل حب وأريحية، فبحكم العدد الهائل من المشاركين الذين يشاركون لحظاتهم من نفس البقعة الجغرافية خضعت الخوارزميات لذلك وأعطت لهذه المنشورات المنطلقة من البحرين بروزاً أكبر وملايين من المشاهدات عبر القارات. ومع انطلاق الحفل الختامي، ولملمة الوفود لحقائبهم واستعدادهم للعودة نجد أن البحرين لم تنظم حدثاً رياضياً فحسب، بل رسمت صورة جديدة تعزّز من مكانتها كدولة عصرية منفتحة تنظم أكبر الفعاليات وتستقطب الشباب من مختلف أنحاء العالم. إن هذا التأثير غير المخطط له والمبني على التجربة الشخصية يعكس رؤية بعيدة المدى ترتكز على تعزيز صورة البحرين الإيجابية عالمياً، وجعلها حاضرة بقوة في أذهان من لم يزوروها بعد، لكنها أصبحت الآن في قائمة الأماكن التي يرغبون بزيارتها يوماً ما.