عندما يقرأ المهووسون بإيران وتجربتها المعادية للحياة عنواناً في أي وسيلة إعلام وتواصل يشير إلى «وجود سخط شعبي في إيران بسبب تدهور الأوضاع فيها وبسبب فشلها في تحسين علاقاتها مع الدول العربية المجاورة وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث السخط الشعبي» يسارعون إلى القول بأن ذلك يدخل في باب التحامل على هذه الدولة وينبرون للدفاع عن حكومة الملالي التي يجزمون بأنها أفضل الحكومات في العالم على الإطلاق وأن تسليمها «الخيط والمخيط» سيقود البشرية إلى جنة الدنيا وجنة الآخرة!

لكن المؤسف والمؤلم هو أن مثل ذلك الأمر حقيقة يؤكدها الواقع، فالإيرانيون مستاؤون، بل مستاؤون جداً من حكومتهم، وغير راضين أبداً عن تخريب علاقة الشعب الإيراني بالدول المجاورة لإيران، وتشاغبهم أسئلة كثيرة عن واقع حياتهم الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وعن مستقبلهم الذي يزداد غموضاً يوماً بعد يوم أيضاً، ويزداد تعقيداً وغموضاً كلما ازداد غوص الحكومة الإيرانية في المستنقعات التي خاضت فيها ولا تعرف كيف تخرج منها.

من يقول غير هذا أو عكسه يغالط نفسه ويؤكد أنه لا يدرك ما الذي يدور في مدن وقرى إيران ولا يعرف أن لحظة اشتعال الثورة المضادة لحكم العمائم باتت قريبة، فالواقع يؤكد أن الشعب الإيراني وصل حداً لم يعد فيه قادراً على تحمل المزيد، فماذا بعد كل هذا الواقع المؤلم الذي صار يعيشه الإيرانيون وهذا التضييق في كل مناحي الحياة حتى وصل الأمر بهم إلى اتخاذ المقابر موئلاً؟

اليوم إيران على غير ود مع جيرانها، بل تعاديهم بإصرارها على التدخل في شؤونهم الداخلية ومحاولة تسيدها المنطقة بتخريب علاقة شعوبها بحكامهم والعمل على خلق الفوضى بأي طريقة وتوفير الأموال والأبواق والأسلحة لكل من قرر اتخاذ موقف سلبي من حكومته. واليوم إيران تزداد إصراراً وتمسكاً بقرارها المفضي إلى تخريب علاقاتها مع كثير من دول العالم وبحجج واهية. واليوم يعاني الاقتصاد الإيراني من صعوبات لا تفضي إلا إلى مزيد من ردات الفعل الشعبية خصوصاً مع استمرار الحكومة هناك في تهميش الإصلاحيين ومحاربتهم ومنعهم حتى من الظهور الإعلامي «الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي مثالاً، حيث لا يزال خاضعاً للمراقبة ولا يزال قرار منع صوره من النشر في وسائل الإعلام مستمراً، وكذلك المعارض مير حسين موسوي الذي لا يزال تحت الإقامة الجبرية وصار النطق باسمه سبباً في دخول السجن».كان المعهد العربي الأمريكي قد أجرى استطلاعاً نشرته صحيفة «هافنغتون بوست» الأمريكية أخيراً كشف عن كل هذه الأمور وغيرها وأكد تراجع نسبة تأييد الإيرانيين لتدخل الحكومة الإيرانية في سوريا ودعمها نظام بشار الأسد، واستياء أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع من عدم تمكن حكومتهم من تحسين علاقاتها مع جيرانها وسخطهم من دعمها لحلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن «حسب الاستطلاع فإن دعم الإيرانيين لتدخل حكومتهم في سوريا تراجع من 90% قبل ثلاث سنوات إلى 24 % فقط نهاية العام الماضي»، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث إلا بعد تبين الشعب للأسباب الخفية لذلك التدخل والدعم، وتبينه أنه إنما كان ولا يزال مجرد أداة يستخدمها النظام ليستمر في السلطة.

أسباب أخرى عديدة تعين على القول بأن السخط الشعبي في إيران سيزداد أكثر وأكثر، وأنه لن يطول الوقت حتى يصحو العالم على صرخة مدوية تزلزل من أوصل هذا الشعب الطيب إلى مثل هذه الحال. لن يحمي الحكومة الإيرانية كل هذا التضييق الذي تمارسه على الشعب، فالشعب الذي لم تتمكن من تدجينه منذ تسلمها السلطة قبل نحو أربعة عقود وذاق الويلات على يدها لن تتمكن من إخضاعه أبداً.