لم ننتهِ من مسألة «مافيات» الأدوية التي طرحناها قبل أيام حتى يصدمنا خبر فساد آخر يتعلق بأحد المسؤولين الحكوميين. يقول الخبر» تحدى أحد كبار المسؤولين في وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني القانون والأنظمة ورفض إنهاء معاملة الدفان البحري لإحدى الشركات الوطنية التي تعمل على إنجاز مشروع استثماري كبير، بل أعلنها أمام المستثمرين في هذه الشركة قائلاً «لن نعطيكم ترخيصاً للدفان البحري، بل سنعطيه لشركة أخرى، فأنتم غير مرخصين، ولن تدفنوا متراً واحداً.. هذه المعاملة تكررت مع أكثر من شركة لنفس المسؤول الذي يصر على أن تكون كافة مشاريع الدفان البحري واستخراج الرمال مقتصرة على شركتين أجنبيتين وثالثة بحرينية. المستثمرون استغربوا من تعامل هذا المسؤول الذي يفترض أنه يمثل الحكومة في أدائه لمسؤولياته، فهو مازال مصراً بأن يعمل في قطاع الدفان البحري واستخراج الرمال ثلاثة شركات، ومنع الشركات الأخرى رغم أن هناك العديد من الشركات المرخص لها قانوناً بمزاولة هذا النوع من الأنشطة، لكنه يرفض إنهاء معاملاتها، ويؤكد أن «المسموح فقط لثلاث شركات».

لو تم رصد عدد «المافيات» التي «تشتغل» داخل مؤسسات الدولة لرأينا العجب العجاب ولربما نضع أيدينا على رؤوسنا من هول الصدمة التي سوف نتلقاها بسبب تغلغل هذه «المافيات» و«اللوبيات» في بعض المؤسسات الرسمية، وهذا ما يجب أن تكشفه وسائل الإعلام في قادم الأيام بكل جرأة من أجل الحفاظ على المال العام والقبض على مفاصل العدالة لإحقاق الحق ومحاسبة كل المقصرين من المسؤولين الذين يستغلون مناصبهم في سبيل تكريس وتثبيت مصالحهم الشخصية ومصالح أقاربهم، حيث يعتقد بعض هؤلاء أن مؤسسات الدولة تعتبر من أملاك عائلتهم.

من يعود للخبر التي نشرته صحيفة «الوطن» ليقرأ تعليقات المستثمرين الذين تم استبعادهم من مناقصات الاستثمار الخاصة «بالدَّفان» سيصاب بالدهشة. في هذا الخصوص قال أحد المستثمرين إن «تعقيدات بيروقراطية يعمد هذا المسؤول على وضعها أمام الراغبين في الاستثمار في قطاع الدفان البحري واستخراج الرمال حتى بات المستثمرون عاجزون عن الحصول على تراخيص جديدة في هذا المجال وهو ما يتعارض مع سياسة فتح السوق أمام الاستثمار».

ما يؤلم في الخبر أن وزارة الأشغال التزمت الصمت بداية ولم تبدِ أي تعليق على الخبر، وهذا منافٍ للشفافية المتعلقة بوجوب توضيح المشكلة للرأي العام، لكن، حينما نشرت الصحيفة الخبر جاء الرد سريعاً للغاية من طرف الوزارة، والذي كان عبارة عن ردٍّ إنشائي ودفاعي محض عن مسؤولها بشكل شرس، ويا ليتها أكدت للصحافة أنها سوف تقوم بالتحقيق في القضية المطروحة بغض النظر عن براءة المسؤول من عدمه، لكن في البحرين اعتادت الجهات الرسمية الدفاع عن المسؤول قبل الدفاع عن الوطن حتى من دون أن تقوم بالتحقيق المبدئي في المشكلة!

اليوم نطالب الجهات المختصة وعلى رأسها مجلس النواب في متابعة هذا الملف الخطير للوقوف على الحقيقة ومحاسبة كل مسؤول يعتقد أن منصبه سوف يحميه من المُساءلة القانونية والأخلاقية. المسألة اليوم مطروحة على طاولة النواب، هذا ما قرأناه قبل لحظات من غلق الكتابة في هذه الأسطر.