كمواطن خليجي، منذ فتحت عيني وأنا أرى ستة دول تقف جنباً إلى جنب، وتجمع قادتها اجتماعات دورية على أعلى مستوى، ومن تحت ذلك تفريعات عديدة عبر اجتماعات لا تتوقف، وعمليات تنسيق لا تنتهي.

كمواطن خليجي، أعرف تماماً أن هناك منظومة أنا مرتبط بها بقوة اسمها «مجلس التعاون لدول الخليج العربية».

لكن للأسف هناك نظرة قاصرة تسود في الشارع بشأن هذا «الاتحاد»، وما حققه لدولنا من مكاسب، لعله سبب قصور في إعلامنا الخليجي الذي يتناسى كثيراً أهمية إبراز الإنجازات والمكاسب المتحققة، ويركز على أمور قليلة، تبرز بشكل متكرر في الإعلام الخليجي بطريقة لا تجعل المواطن الخليجي يدرك حجم القوة التي يملكها بوجود هذه المنظومة.

حينما نتحدث عن «المجلس»، على الفور تتبادر لذهننا مسألة «العملة الموحدة» أو «فتح الحدود بلا قيود أو إجراءات»، لكن الواقع يقول إن المسألة أكبر من ذلك بكثير، ولنركز هنا بمعيار «الأهم ثم المهم».

نظرة الغرب لمنظومة مجلس التعاون الخليجي تختلف كثيراً عن نظرتنا نحن الخليجيين لمجلسنا، وهذا الأمر شهدته بنفسي عام 2012 في لندن، حينما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله طيب الله ثراه عن فكرة إنشاء «الاتحاد الخليجي»، وكيف تصادف في مناسبة التقائي بعدد من أعضاء البرلمان واللوردات حيث كانوا يسألون باهتمام عن هذا الاتحاد، وهل بالإمكان ترتيب لقاء مع أمين عام المجلس الدكتور عبداللطيف الزياني بهدف معرفة تفاصيل أكثر، وكيف يمكن أن يمدوا جسور التعاون؟!

مجلس التعاون الخليجي حقق الكثير من الأمور، والمقام لا يسع لسردها، لكن من بينها مسألة الاتحاد الجمركي وهي عملية نتاجها أحس به المواطن العادي بشكل مباشر، وغيرها المنظومة الأمنية الدفاعية المشتركة، وهي مسألة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، فالخليج العربي اليوم لديه قوة عسكرية ضاربة، تتمثل بتوحد منظومات الدفاع العسكري في الدول الست، والتي نعرف تماماً بأنها درع الحصين لبلداننا عند أي ملمات، والأمثلة والشواهد كثيرة، إلى غيرها من عمليات التعاون الاقتصادي والتجارة المتبادلة والتي تقدر إيراداتها بالمليارات.

انتبهوا هنا لمسألة هامة، تتمثل في أن الغرب حينما يريد مخاطبتنا يتحدث للخليج ككتلة واحدة، لأنهم يدركون أن عملية الانفراد بدولة عضو في المجلس في مسائل هامة لا يمكن أن تتم، وصلت لهم القناعة والإدراك للفهم بأننا كدول خليج نتحرك ككيان واحد، خاصة في المسائل التي تمس السيادة والمواقف السياسية.

وعليه، فإن هناك تهافتاً عالمياً اليوم لمد جسور التعاون مع المجلس ككتلة واحدة، فمثلاً نيوزلندا تحاول إتمام اتفاق للتجارة الحرة مع دول المجلس، علماً بأن حجم التبادل التجاري الحالي بينها وبين دول المجلس يبلغ 3 مليارات دولار نيوزلندي.

بريطانيا اليوم تقول على لسان وزير شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا توبايس إلوود إنها تعمل على بناء تحالف قوي مع مجلس التعاون، وأن أمن دوله من أمن بريطانيا، وأنها ستعمل مع المجلس للتصدي لأفعال إيران العدائية في المنطقة.

المجلس من جانبه بدأ في السنوات الأخيرة التحرك القوي لمد جسور التعاون حتى عبر القارات، وذلك عبر الحراك النشط الذي تقوم به الأمانة العامة بقيادة الدكتور الزياني، حيث شهدنا تواجده قبل فترة في الولايات المتحدة الأمريكية في سلسلة اجتماعات فيها بيان لمواقف دول الخليج، ودفاع ضد محاولات استهداف إعلامية غير حيادية، إلى جانب ذلك التوجه لتعزيز التعاون مع القارة الإفريقية مثلما ذكر بالأمس موقع «إستراتفور» المختص بتحليل القضايا الأمنية الساخنة، تحت عنوان «مجلس التعاون الخليجي يعبر البحر الأحمر»، كاشفاً عن تحركات تمدد قوية للمجلس إلى الشرق والشمال الإفريقي، فيما وصفها بـ «عملية ملفتة للأنظار».

وحتى وقت قريب، في مطلع هذا الشهر شهدت الأمانة العامة في الرياض إقامة حلقة نقاشية ضمت مسؤولي الأمانة ومسؤولين من دول المجلس وعدد من السفراء الأجانب المعتمدين في السعودية، ركزت على عملية «استشراف» سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه مجلس التعاون الخليجي.

وعليه، وكمواطن خليجي، هذه المنظومة «مجلس التعاون الخليجي» والذي يعمل أصلاً كـ «اتحاد» متكامل مثلما كانت رؤية الملك عبدالله، رحمه الله، هذا الكيان يمثلني كصوت ومواقف مبنية على وحدة المصير المشترك.

بالتالي، أن تكون بلادي من ضمن هذه المنظومة، فإنني امتلك نقطة تفوق على كثير من الدول، والتي بعضها مازال يسعى لإنشاء «لوبيات» وكيانات فيما بينها قائمة على القرب الجغرافي وتشابه الاقتصاديات، لكننا نملك ما هو أشمل، وهو المتمثل بوحدة الدين والعروبة والمصير المشترك.

وخير ما أختم به هنا هو التأكيد على أهمية المجلس، ما يعبر عنه قادته حفظهم الله، من أنه الدرع الحصين الذي يحمي مصالح بلدانه ويتصدى للمؤامرات التي تستهدفها.