تاريخياً، لعبت الانتخابات دوراً رئيساً في بلورة مفهوم الديمقراطية الحديثة، في إضفاء لمعة سحر لهذا المصطلح الرنّان، في شعارات تسويق سمات الحرية والتقدّم لدى طلائع الأنظمة السياسية التي تسود العالم.
إذ تعدّ الانتخابات ركيزة أساسية في منظومة الديمقراطية، التي تقتضي أن يتمتع المواطنون بالحق في حرية التعبير عن آرائهم وانتخاب ممثليهم في الحكومة.
فما هو واقع تَجسّد هذه الحرية في مشهد الانتخابات الأمريكية؟
تقتضي الديمقراطية حق الأفراد في انتخاب والتصويت لمن يرونه مناسباً لترؤسهم أو تمثيلهم، وكذلك حق التعبير عن آرائهم السياسية بحرية، بإتاحة الأدوات القنوات التي تمكنّهم من ذلك، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وإتاحة التجمع وإقامة الفعاليات لهم لدعم مرشحيهم وقضاياهم، بما يكفل ممارسة هذا الحق وهذه الحرية، ويثري الممارسة الانتخابية بالنقاشات والحوارات والمناظرات السياسية، ضمن مشاركة الجمهور في تعزيز التوعية.
اليوم هذه الوسائل، في مشهد الانتخابات الأمريكية، كما هو الحال في جل الأنظمة السياسية المُتَصدِّرة والمُصَدِّرَة للديموقراطية، أصبحت بالدرجة الأولى تلعب وظيفة التّأثير على جمهور الناخبين أكثر منها أداة للتعبير، ولهذا الغرض تصرف الأموال الطائلة وتخصص الميزانيات الهائلة للحملات الانتخابية، بما يخترق الحيادية، ويقلّص مدى الحرية.
هذا بالإضافة إلى ظاهرة إدراج، أو بالأحرى توظيف، آراء رموز الفن، وأبطال هوليود، وأيقونات التكنولوجيا في الحملات الانتخابية، وما يرتب على ذلك من جلب واستمالة لجمهور المعجبين والمنبهرين بهم.
وبذلك تحصل عملية توجيه للاختيار (Manipulation)، والانحراف بعنصر التحفيز على المشاركة الانتخابية، كجزء أساسي من الديمقراطية إلى توجيه يسلب حرية الرأي والاختيار، والذي يعدّ في أدبيات الديمقراطية شرطاً أساسياً في شرعية العملية الانتخابية.