في أحد المقاهي في أمريكا، حصل أحد الأشخاص على كوب القهوة كما اعتاد دوماً، لكنه تعامل مع هذا الكوب على غير المعتاد، فتصرف وكأنه «جائزة الإبداع» التقط هاتفه وصوره، وبدأ يتحدث إلى متابعيه ويصف لهم الحدث بحماسة غريبة، كأنه حقق إنجازاً عظيماً، ليتبين بعد ذلك أن كل مميزات هذا الكوب أنه مجاني، حصل عليه كمكافأة ضمن نظام المكافآت الذي استحدثه المقهى، فبعد أن يجمع الزبون عشر ملصقات ملونة ويضع كلاً منها على كوب قهوة يحصل على الكوب الحادي عشر مجاناً، وكان صاحبنا قد اشترى خلال الأيام الماضية عشرة أكوب وجمع ملصقاتها وهذا كوب المكافأة وله سحره.في الواقع، أغلب ما حولنا اليوم يعمل بنظام المكافأة الفورية، بطاقات الائتمان والبطاقات المدفوعة مسبقاً كلها تقريباً فيها مكافآت، إما على شكل استعادة مبالغ آخر الشهر أو تخفيضات أو غيرها من المكافآت التي جعلت كل واحد منها في محفظته أربع أو خمس بطاقات من شركات مختلفة، يدفع رسومها السنوية فقط لما فيها من مكافآت فورية، مع أن واحدة أو اثنتين منها تكفي لاحتياجنا من التعاملات المالية، لكنه سحر المكافأة.مبدأ المكافأة الفورية يستخدم في كل مشروع ناجح وبقوة، لكنه مازال ضعيفاً مع أهم مشروع استثماري في حياتنا ألا هو الاستثمار في تعليم أبنائنا، ألم نلحظ جميعنا أن أبناءنا على مختلف مستوياتهم من الروضة وحتى الجامعة، ينتظرون بفارغ الصبر عودتهم من المدرسة أو الجامعة وما أن يصلوا إلى البيت حتى ينغمسوا في ألعابهم الإلكترونية؟ الأمر بسيط جداً، إنهم يجدون متعة وتشويقاً في الألعاب لا يجدونه في التعليم التقليدي الحالي، ففي عالم الألعاب ينغمس المشاركون في سباق في كل لحظة وينتقلون من مستوى لآخر في غضون دقائق، ويجمعون النقاط، ويكافؤون سريعاً في كل دقيقة، لديهم شغف الفوز وتحقيق الإنجازات، يكلفوننا جميعاً مبالغ لشراء أدوات رقمية «ساحرة» تفتح لهم أبواباً جديدة ترفع من مستوى أدائهم للفوز وجمع أكبر عدد من النقاط للحصول على المكافآت السريعة، وكلها هواء في شبك، فهذا سلاح فتاك وذلك قناع، إنه مخدر سريع المفعول لكنه جاذب ومحبب إلى النفس، ومكافآته حاضرة جاهزة تُسلّم فوراً، وهي ليست مادية لكنهم يرونها حقيقية، فقد تكون «فلاشاً» احتفالياً بالبطل الذي وصل إلى هذا المستوى، يستمر لثوانٍ ثم يختفي.تعال معي الآن إلى عالم التعليم التقليدي الحالي في أغلب دول العالم تقريباً، كل ما يطلب من الطالب الاجتهاد وبذل الوسع، والمكافآت تدفع لهم «بالآجل» فيها نهاية الفصل أو منتصف الفصل، يقدم الطالب، يحل التمارين، يتعرف على النظريات لكنه لا يحصل على مكافأته فوراً، فهو كمن يلعب لعبة إلكترونية ينتقل من مستوى لآخر بدون مكافأة، فينتظر بفارغ الصبر عودته إلى البيت ليحصل على مكافآت من نظام آخر غير نظام التعليم التقليدي، يحقق فيه شعوره بالإنجاز، فلماذا يجتهد الطالب في نظام لا يحصل فيه على مكافئة الفورية مع أن هناك نظاماً آخر فاعلاً وجاهزاً ومتاحاً؟!لقد أدرك مصنّعو الألعاب الإلكترونية منذ زمن طويل فشل نظام التعليم التقليدي مع التطور التكنولوجي، فقدموا منتجاتهم التي استحوذوا بها على اهتمام من هم في مراحل التعليم، ولنكن صرحاء مع أنفسنا، التقدم التكنولوجي يشهد الآن قفزات لم يشهدها في تاريخه، ويفرض واقعاً جديداً على كل مجالات الحياة، بما فيها أنظمة التعليم في العالم التي ستتغير بالكامل، وأسرع ما يمكننا إعادة النظر فيه في الوقت الحالي هو نظام التقييم الحالي القائم على الدرجات وطريقة التقييمات التي تؤدي إليه والتي لابد لنا من إيجاد بديلها الذي يُضيّق الفجوة بين الطالب وتعليمه في المؤسسات التعليمية، فالطلبة ينظرون إلى مكافأة الدرجات الحالية وكأنها صك براءة من المحكمة على قضية رفعت ضدهم، لا على أنه مكافأة.* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية