تميّزت قبائل البحرين بدورٍ تاريخي مُشرق في دعم الخلافة الراشدة والمساهمة في الفتوحات، ونظراً لموقعها الاستراتيجي على سواحل الخليج العربي، امتلكت قبائل البحرين خبرة ملاحية متقدمة في التجارة وصيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ منذ وقت مبكر، ممّا ساعدها على الانخراط في الحملات العسكرية البحرية وحركة الفتوحات.

حيث سعت هذه القبائل إلى فتح الضفة الشرقية للخليج العربيّ ونشر الإسلام فيها، تعزيزاً للوحدة العربية والإسلامية، فكانت البحرين صاحبة الريادة في هذه المحاولات التي تُوّجت بالانتصارات العديدة.

قبائل البحرين: الولاء والمساهمة: استمرت قبائل البحرين وفي طليعتها عبدالقيس وبكر بن وائل وتميم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تدين بالولاء لخلفائه الراشدين، وانخرطت مع ولاته دعماً لوحدة الدين والدولة، فشاركت قبيلتا عبدالقيس وتميم مع جيش العلاء الحضرمي لمطاردة المرتدين والمتمردين، ولم تقتصر عملياتهم العسكرية على البر في العراق والمشرق بل ركب أهل البحرين البحر لمطاردة المرتدين وعبروا لجزيرة دارين (تاروت)، وبسبب موقع البحرين المتميز وأهميتها الاستراتيجية وخبرة أهلها، كانت القبائل فيها مؤهلة لتقديم الدعم اللازم لخطة الفتوحات التي أطلقتها الخلافة الراشدة، فمع بداية مرحلة جديدة من العمليات العسكرية شارك فيها أهل البحرين بقوة، خاصة العمليات العسكرية البحرية، والتي كانت تمثل استمراراً في نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية وخطوة ضرورية لتأمين حدود الدولة العربية الإسلامية ومواجهة التهديدات من الدول المجاورة خصوصاً الدولة الساسانية الفارسية.

الفتوحات في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في العام 14 هـ، وخلال حكم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قرّر والي البحرين الصحابي العلاء بن الحضرمي عبور البحر إلى الضفة الشرقية. فاستخدم العلاء القوارب والسفن الصغيرة، وقسّم جيشه إلى ثلاثة أقسام، قسم بقيادة الجارود بن المعلى العبدي، وقسم بقيادة سوار بن همام العبدي، وقسم بقيادة خليد بن المنذر بن ساوى التميمي، وقد نجح العلاء في فتح عدة مناطق مثل اصطخر وخارك وطاووس، ممّا ساهم في تعزيز موقف المسلمين في المنطقة.

ورغم النجاحات التي حققها العلاء، تعرّض الجيش الإسلامي لموقف صعب عندما تمت محاصرتهم في طاووس. عندها تدخل الخليفة عمر بن الخطاب وأرسل قوات دعم برية بقيادة والي البصرة عتبة بن غزوان، ممّا يعكس مركزية حركة الفتوحات والتنسيق بين الجبهات وتوحيد الجهد العسكري العربي الإسلامي براً وبحراً.

الفتوحات في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه: في عام 21 هـ، قاد عثمان بن أبي العاص حملة جديدة عبر البحر، بعد أن أخذ الاحتياطات اللازمة لتأمين عبور أمن للمقاتلين. شارك في هذه الحملة أفراد من قبائل البحرين وعمان، الذين اشتهروا بشجاعتهم وخبرتهم في القتال. أسفرت الحملة عن فتح عدة مدن وجزر مهمة في الضفة الشرقية للخليج العربي وجنوب إقليم فارس.

وفي عام 21 هـ قاد عثمان حملة بحرية جديدة بالتنسيق مع والي البصرة وتم على إثرها فتح مدن جديدة في إقليم فارس، وانضمّت بعض هذه القوات وأبناء القبائل العربية البحرينية للجيوش العربية الإسلامية التي انطلقت من البصرة لاستكمال مشروع فتوحات المشرق، خصوصاً في أقاليم بلاد فارس والسند وبلاد ما وراء النهر، وحقّقت نجاحات مهمة حيث تم نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية في أغلب نواحي المشرق.

البحرين: الريادة والثبات: تُعد هذه الفتوحات دليلاً على أهمية قبائل البحرين في دعم الفتوحات وتأمين المنطقة. فقد كانت لهم القدرة على استغلال خبراتهم البحرية في المعارك. كما أنّ التعاون بين القبائل وولاة البحرين والخلافة الراشدة كان له دور كبير في تحقيق النجاحات العسكرية. هذا التعاون يعكس روح الوحدة والتضامن بين القبائل العربية في مواجهة التحديات.

كما يظهر دور البحرين في الفتوحات البحرية كعنصر حيوي في تاريخ الفتوحات. فمن خلال شجاعتهم وخبراتهم في الملاحة، ساهموا في توسيع رقعة الدولة الإسلامية وتعزيز الوحدة العربية.

إنّ الفتوحات البحرية لم تكن مجرد معارك عسكرية، بل كانت تعبيراً عن الهوية الإسلامية والرغبة في نشر الدعوة وتأمين المنطقة. إن التاريخ يعكس كيف أن قبائل البحرين لعبت دوراً رئيساً في هذه اللحظات الحاسمة، ممّا ساهم في تشكيل تاريخ المنطقة ومكانتها في العالم العربي والإسلامي.