تناولت جريدة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية بعض الدروس المستفادة من فوز ترامب الساحق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة تتعلق بآراء واعتقادات فئات من الناخبين والمقارنة بينهم حول القضايا التي طرحت خلال السباق الانتخابي.

وقد جاءت المقارنة بين فئة التقدميين «الليبراليين» البيض وغيرهم من أقليات شملت فئة المحافظين البيض وفئة المعتدلين وفئة أصحاب الأصول اللاتينية وفئة السود.

ويتضح من خلال ما قدمته الجريدة أن فئة الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء والذين يصنفون أنفسهم على أنهم ليبراليون يقعون اليوم في أقصى درجات اليسار من الطيف السياسي ويبتعدون من الناحية الفكرية كثيراً عن توجهات معظم الأمريكيين.

وللعلم فإن المنتمين لليسار في أمريكا تحديداً يؤمنون بالتغير المجتمعي الثوري حسب مايكل كازين أستاذ التاريخ في جامعة جورج تاون الأمريكية و الذي يوضح أن اليساريين ربطوا العدالة الاجتماعية بمبدأ الحرية الشخصية ويؤمنون بالفرص المتساوية بين جميع الناس والمساواة التامة في معاملة المرأة وفي معاملة كل الأقليات و من ضمنهم المثليين ويحتفون بالملذات الجنسية بدون ربطها بالزواج والإنجاب و يناصرون المؤسسات التعليمية والإعلامية التي تتعاطف مع قضايا الاضطهاد العنصري والجندري وهم من دعاة التعددية الثقافية في المجتمع الواحد.

وعودة لما قدمته «الفاينانشيال تايمز» من معلومات؛ فقد أجاب 80٪؜ من الليبراليين البيض بنعم حول ضرورة جعل الهجرة الشرعية للولايات المتحدة الأمريكية أسهل خلافاً لجميع الأقليات الأخرى الذين رفضوا هذا التوجه رفضاً كبيراً. فالأمريكي اليوم ينظر بكثير من الريبة والتوجس من المهاجرين سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين؛ لدرجة أن 70٪؜ من الأمريكيين من أصول لاتينية على سبيل المثال يرفضون أي إجراءات قد تسهل الهجرة الشرعية لأمريكا..!

كما أجاب أكثر من 75٪؜ من الليبراليين بنعم لتقليص حجم قوات الشرطة و نطاق عملها الأمر الذي يعد مرفوضاً عند البقية.

حيث يعتبر دور الشرطة عند غالبية الأمريكيين محورياً ومهماً للغاية في الحد من الجريمة في المدن والأحياء وهذا ما لا يستوعبه الليبراليون الذين ينظرون للشرطة على أنها تمارس العنصرية ضد الأقليات وخاصة السود وقد زاد هذا الاعتقاد وترسخ لديهم بعد حادثة مقتل جورج فلويد في عام 2020 على أيدي عناصر من الشرطة.

وتبين «الفاينانشيال تايمز» أيضاً أن كثيراً من المؤثرين وأصحاب القرار في الحزب الديمقراطي «وهو حزب الليبراليين» اليوم تقع معتقداتهم في أقصى اليسار مقارنةً بمعتقدات الناخب الأمريكي العادي.

كما صار واضحاً موقف الديمقراطيين البعيد عن الآخرين في القضايا الثقافية والاجتماعية مما يجعله موقفاً منبوذاً.

ولهذه الأسباب وبعد أن تمادوا كثيراً وأسرفوا في أطروحاتهم وتعصبوا لمعتقداتهم ومواقفهم التي تتناقض مع توجه رجل الشارع الأمريكي أياً كان عرقه وأصله خسر الديمقراطيون / الليبراليون الكثير من الولايات المتأرجحة والتي عادة ما تكون هي الفيصل في الانتخابات الأمريكية.

ولهذا يعود ترامب مع أجندته المحافظة ليلهب مشاعر الأمريكيين مرة أخرى ويعدهم بما يرغبون في سماعه حول تطبيق سياسات ينتظرها رجل الشارع أبرزها تقنين الهجرة والتصدي للتعنت الفكري الذي مارسه الديمقراطيون في الأربع سنوات الماضية.