هناك موضوعان مترابطان يعيدان تشكيل مستقبل العمل: دمج الذكاء الاصطناعيّ (AI) وحوكمته، حيث يمثّل التقاطع بينهما واقعاً معقّداً وتحويليّاً. فبينما تستعدّ الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعيّ لإحداث ثورة في مختلف الصناعات، وتصبح جزءاً لا يتجزّأ من كيفيّة إدارة العمل، فإنّ تطبيقها الفعّال يعتمد على الحوكمة المدروسة والاستراتيجيّات الاستشرافيّة.لا شكّ في أنّ قدرة الذكاء الاصطناعيّ على أتمتّة المهامّ؛ قد تجلب إمكانات غير عاديّة للقوى العاملة. ومع أنّ المؤسّسات تتّجه بالفعل إلى الاستفادة من تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ لتعزيز الإنتاجيّة ورفع كفاءة العمليّات وتحسين تجربة العملاء، بل ودفع عجلة الابتكار؛ إلّا أنّ تحقيق هذه الفوائد لا يتمّ على نحو تلقائي، فالتحدّيات كثيرة، بدءاً من التبنّي الاستراتيجيّ إلى معالجة جاهزيّة الموظّفين والتكامل التنظيميّ.وكما يتمّ الآن تسليط الضوء على حوكمة الذكاء الاصطناعيّ، وهي ضرورة حتميّة بلا شكّ؛ إلّا أنّه يجب على قادة الأعمال زيادة مشاركتهم في هذا المجال، والّتي ما زالت متواضعة. تستلزم الحوكمة الفعّالة وضع حواجز حماية أخلاقيّة، وفهم دورة حياة الذكاء الاصطناعيّ، وتعزيز الاستراتيجيّات القائمة على الثقة. لا يمكن أن تُترك حوكمة الذكاء الاصطناعيّ للتكنوقراط وحدهم؛ إذ يجب على قادة الأعمال المشاركة بعمق، ليس فقط لفهم مخاطر الذكاء الاصطناعيّ، ولكن أيضاً كفرصة لخلق قيمة تحويليّة. ففي استطلاع جديد أجرته شركة Deloitte العالمية على أعضاء مجالس إدارة الشركات والمديرين التنفيذيين، قال 50% تقريباً أن الذكاء الاصطناعي لم يدرج بعد على جدول أعمال مجالس الإدارة، لذلك هناك حاجة واضحة إلى زيادة المناقشات على المستويات الاستراتيجية لضمان دمج الذكاء الاصطناعي في خطط الأعمال الاستراتيجية وضمان اعتماده بشكل مسؤول وبشفافية وابتكار.وبينما تمضي المؤسّسات في هذا المسار، يجب أن تكون هناك قرارات مدروسة لتحقيق التوازن بين وتيرة تبنّي التكنولوجيا وآليّات الرقابة القويّة. على المؤسّسات أن تتجاوز المفهوم الشائع حول الذكاء الاصطناعيّ كأداة للإنتاجيّة فقط، بل يجب أن تنظر إليه كوسيلة لتعزيز مكان عمل ديناميكيّ يزدهر فيه الابتكار. إلى جانب تطوير نماذج حوكمة تعكس هذا التعقيد، ودمج المتخصّصين في الذكاء الاصطناعيّ، وتعزيز المعرفة الرقميّة على كافّة المستويات بما فيهم مجالس الإدارة، والتقييم المستمرّ للمخاطر والفوائد.كما يتطلّب مستقبل العمل نماذج مرنة وقابلة للتطوير لتلبية الاحتياجات المتطوّرة، سواء كانت للتعاون عن بُعد، أو العمليّات الهجينة، أو سير العمل المتحوّل رقميّاً. يجب على قادة الأعمال والمؤسّسات تعزيز البيئات الّتي تعطي الأولويّة للتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعيّ، وإطلاق العنان للابتكار مع ضمان النشر الأخلاقيّ والمسؤول. إنّ تطوير المعرفة والتدريب ورفع مستوى المهارات أمر بالغ الأهمّيّة؛ ولا يمكن للمؤسّسات أن تأمل في استخدام الذكاء الاصطناعيّ كأداة لتحقيق قيمة مستدامة طويلة الأجل إلّا من خلال الحوكمة المستنيرة.في ظلّ هذا السيناريو المتطوّر، يتوقّف مستقبل العمل على كيفيّة دمج الذكاء الاصطناعيّ وحوكمته بشكل مدروس. ويتطلّب الأمر جهدًا واعيًا لإعادة تحديد الأدوار، وتبنّي التحوّل الرقميّ، واتّخاذ القرارات الّتي تعزّز الابتكار والمرونة. مع نموّ قدرات الذكاء الاصطناعيّ، يجب أن تتطوّر أطر عملنا لضمان أن تكون هذه التقنيّة أداة للتقدّم الجماعيّ، عندها فقط يمكن تشكيل مستقبل يربط بين الإبداع البشريّ والتقدّم التكنولوجيّ من أجل إفادة المجتمع وتمكين القوى العاملة وخلق قيمة دائمة.