مثل هذه المصطلحات الحديثة ظهرت في علم الإدارة لأسباب.

سابقاً كنا نتحدث عن الإدارة على أنها "فن إدارة البشر والموارد"، بحيث يكون تحقيق التوازن بينهما سبيلاً للوصول إلى الأهداف المرسومة، وكنا نركز على أهمية أن يكون الإداري "إنساناً" في المقام الأول.

اليوم باتت الحاجة ملحة أكثر لابتكار مصطلح يعالج مشكلة مستفحلة لدى البعض. وهنا أتحدث عن "الإدارة الإنسانية".

ليست الجدارة في الإدارة ترتكز على تحقيق الأهداف فقط، بل الجدارة في كيفية تحقيقها عبر أدوات تعمل بشكل صحي، والأدوات هنا هم البشر الذين يعتبرون أحد الموارد الرئيسية لعمل أي قطاع، بل هم من يوصفون بـ"رأس المال البشري".

وصف "رأس المال" بحد ذاته يشير إلى كونه "عامل قوي ومؤثر"، والحديث عن البشر بوصف يقارب وصف المال الذي يعتبره كثيرون أنه عصب كل شيء، يجعلنا ندرك بأن البشر هم رأس المال الأهم في إدارة المال نفسه، وفي صناعة ظروف وأحوال تجلب هذا المال وتنميه وتكبره.

لذلك أقول دائماً بأن "المحظوظ" هو الذي يعمل مع "مسؤول إنسان"، وليس مسؤولاً يعمل كالآلة يفتقر للإحساس البشري، إذ في الحالة الأخيرة سيدرك الناس أنهم قد يستنزفون نفسياً وجسدياً، بل قد يصلون لمرحلة يبحثون فيها عن التقدير والتحفيز والدعم فلا يجدون أياً منه. بل في المقابل قد يجدون الضغط والإجحاف وحتى الاستهداف.

لذلك الإدارة الإنسانية هي التي تنجح في تحقيق التوازن بين متطلبات الأوساط المهنية وبين احتياجات الأفراد، بحيث تركز على خلق بيئة عمل صحية وآمنة لهم، بيئة محفزة وفيها التقدير والتطوير، والأهم بيئة تحميهم وتوفر لهم الاستقرار النفسي ليبدعوا وينجزوا بشكل أكبر.

وحتى ينجح المسؤول الحريص على إدارة بيئة العمل بشكل إنساني، لابد وأن يعتمد على أشخاص يسندونه توكل لهم المهام الرئيسية أو إدارة القطاعات، شريطة أن تتوافر الصفات الإنسانية فيهم، وشريطة أن يضمن تعاملهم مع الموظفين بشكل مهني ممزوج بالإنسانية المتجلية في صور عديدة، على رأسها حفظ كرامتهم وتقديرهم، وتجنب إيقاع الظلم عليهم بإرساء مقومات العدالة. ونقطة هامة هنا، شريطة أن يكون هؤلاء المسؤولون ناقلين بصدق للإدارة العليا عن أحوال الموظفين وأدائهم، لا العكس. أي يكونون أدوات توصيل للأمور الإيجابية والآراء المختلفة وليس صناعة صورة مغلوطة تفضي لوقوع أمور سيئة للآخرين بناء على أحكام تبنى على معطيات منقوصة.

المسؤول الإنسان هو الذي يعرف أولاً أنه يتعامل مع بشر، وأن لكل واحد منهم تركيبته الخاصة، سواء من مخزون معرفي ومهني، وأيضاً يعرف بأن لكل منهم أهدافاً وطموحات وأحلاماً، في مقابل حياة شخصية تتضمن التزامات وضغوطات وغيرها. حينها سيتمكن من التعامل معهم بتفهم وإنسانية، وسيدرك أن التعامل الإنساني هو الذي بمقدوره تحريك الجبال الثابتة، إذ كم من إنسان كسبته في حياتك لمجرد أنك عاملته كإنسان؟! وهنا ضع نفسك في موقعه!

الإدارة الإنسانية تعني صناعة بيئة عمل آمنة، تعني وجود تعامل سوي وإيجابي، تعني منح الفرص وتعزيز النجاحات. تعني التفكير بالإنسان الذي قدر لنا التحكم بمصيره أو مستقبله المهني.

في زمن تكثر فيه الضغوطات والتحديات، وفي زمن تحرص الناس على أعمالها ومنهم من يجتهد ويبذل جهوداً وتضحيات، من العدالة والإنصاف أن يعاملوا بإنسانية وأساليب راقية.

خذوا مثالاً رائعاً فيما نقول هنا، ممثلاً بملكنا المعظم، ملك الإنسانية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، وكيف يمضي بمشروعه الإصلاحي لتعزيز ثقافة التعايش والمحبة والسلام، والأهم كيف يرسخ مبادئ "الإنسانية" في جميع التعاملات، ويضرب بالتالي أبلغ الأمثلة في كيف يكون "القائد الإنسان"، وكيف تدار الأمور وفق مبادئ الإنسانية أولاً وأخيراً.

حفظ الله ملكنا الغالي وجعله دوماً مصدر إلهام ومنبعاً للتعلم والاقتداء.