في كل مرة يشهد العالم أو منطقتنا العربية أحداثاً مأساوية أو تحولات دراماتيكية، تجد ذاكرة الناس العشوائية تتحرك لتنشغل بربط تلك الأحداث بقضايا غيبية أو كونية. وقد رأينا مؤخراً كيف أصبح البعض يتحدث عن أحداث سوريا الحبيبة وربطها بقرب ظهور المهدي، بينما يغرق آخرون في قراءة كتب علامات الساعة الكبرى أو يتداولون مقاطع تتنبأ بنهاية العالم.
الظاهرة ليست جديدة، ولكن ما يثير القلق هو هذا الهلع الجماعي الذي يدفع بالبعض إلى الخوض في أمور غيبية دون علم أو فهم. فما يحدث اليوم ليس مجرد محاولة لفهم الأحداث، بل أصبح أقرب إلى حالة من التهويل والارتجال. كل من هب ودب يجتهد في الربط والجزم وكأنها حقائق لا تقبل النقاش.
الأمر لا يتوقف عند سوريا فقط، فمع كل حدث عالمي أو كارثة تظهر مثل هذه التأويلات. نذكر هنا كيف انتشرت خلال جائحة كورونا مقاطع ومقالات تربط انتشار الفيروس بنبوءات نهاية العالم، واعتبره البعض علامة من علامات الساعة الكبرى. رغم أن البشرية منذ آلاف السنين مرت بأوبئة ومجاعات وكوارث أشد فتكاً من كورونا، ولم يكن الأمر جديداً على الإنسان. فالطاعون الأسود في العصور الوسطى أباد ثلث سكان أوروبا، وأوبئة الكوليرا والإنفلونزا الإسبانية حصدت الملايين من الأرواح، ومع ذلك استمرت الحياة واستمرت البشرية في مواجهة هذه التحديات.
ولكن، لحظة يا جماعة! الأمور لا تؤخذ بهذه الطريقة العشوائية ولا تُفسر على المزاج. قضايا الغيب لها أهلها من العلماء والراسخين في الدين، وهم وحدهم المؤهلون للخوض فيها وتفسير أحداثها ومجرياتها. فكما أن العلوم الدنيوية تحتاج إلى مختصين، فإن علوم الدين لا تقل أهمية، بل هي أشد وضوحاً وجلاءً، ومع ذلك لا تحتمل التأويل العشوائي.
وهنا نقف أمام تساؤل جوهري، حتى لو سلمنا جدلاً بأن هذه العلامات صحيحة وواقعة، ماذا أعددنا لها؟ هل نحن مستعدون لمواجهة يوم القيامة أو لحظة الموت التي قد تأتي في أي وقت؟ أم أننا انشغلنا بمتابعة الأحداث وربطها بالغيب دون أن نلتفت لحالنا وأعمالنا؟
إن قضايا الغيب ليست مادة للتسلية أو التهويل، بل هي مسؤولية إيمانية وأخلاقية، وسبب للرجوع إلى الله. فالتركيز على إصلاح الذات والعمل بما يرضي الله أهم بكثير من البحث عن نهاية العالم. لنتوقف عن المبالغات، ولنترك العلم لمن يعرفه، ولنتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم فليفعل." هنا يكمن المعنى الحقيقي للاستعداد؛ بالعمل، لا بالخوف والتأويل.
فالأحداث التي نراها اليوم، سواء في سوريا أو غيرها، هي ابتلاءات واختبارات تذكرنا بحقيقة وجودنا، لكنها ليست نهاية المطاف. والبشرية مرت وستمر دائماً بمصائب وكوارث، وهذا جزء من طبيعتها وواقعها. دعونا ننشغل بما يُصلح حالنا وينفع مجتمعنا بدلاً من أن نُغرق أنفسنا في التفسيرات والتنبؤات لا يسبقها عمل.