يه.. يه.. يه.. حياه.. حياه.. شهالزين؟
دعونا نتكلّم عن ليالي المحرق كمشروع سياحي أولاً.
"ليالي المحرق" فعالية وموقعها "الأولد تاون" أي المدينة القديمة، وأقصد المُدن القديمة التي استثمرت الدول الغربية فيها حين حافظت على طابعها التقليدي وجعلت منها معلماً سياحياً، فالمحرق بشكلها الذي ظهرت فيه بعد افتتاح مسار اللؤلؤ ممكن أن "أتعنّى" لها كسائح وأقطع تذكرة وأُسافر من أجل حضورها كفعالية وموقع أثري لأكثر من ليلة.
"مسار اللؤلؤ" شكّل حدوداً ثقافية تراثية للموقع السياحي، وجاءت النُّسخة الثالثة من احتفالات ليالي المحرق كمهرجان ترفيهي في ذات الموقع، فولد لنا مشروعاً سياحياً يدرّ على البحرين خيراً كثيراً لو استطعنا أن نجعله مستمراً طوال الأشهر السبعة حيث الجو في البحرين مُمتع منذ نوفمبر إلى نهاية مايو، فإننا سنضمن حركة سياحية تأتي خصّيصاً لتقضي أكثر من ليلة في البحرين، وسنضمن نشاطاً تجارياً يصاحبها، ونشاطاً عقارياً، ونشاطاً يشمل العديد من القطاعات المصاحبة. نحتاج فقط ميزانية تشغيلية لهذا المشروع الجميل، ولابد من توفيرها حتى لو اضطررنا إلى الاقتطاع من فعاليات أخرى مُكلفة مالياً لا ينعكس مردودها على معيشة الناس وترعاها شركات في كثير من الأحيان "مجاملة" ولا تدرّ ربحاً ولا تنشّط اقتصاداً. كم يبشر هذا المشروع؟ هذا المشروع يكسب ذهباً ويعود بالنفع على البحرينيين بشكل مباشر.
التنفيذ
ليالي المحرق مهرجان في نسخته السنوية الثالثة عشرة على عشرة، صحيح أن "مسار اللؤلؤ" أصبح هو الأساس في الاحتفالات وهو ما أضفى بُعداً تاريخياً، إنما الليالي زيّنتها الأقمار، وهم أهل البحرين الذين أداروها باحترافية، شبابنا البحريني في هيئة الثقافة بقيادة المايسترو الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة الإنسان الخلوق والخلاّق، وفريقه الجبّار الذي جعل من المستحيل ممكناً، الشكر الجزيل على هذا الإخراج النهائي للصورة المكتملة، وموصول لكل الجهات المتعاونة معهم والراعية للاحتفال.
الإنصاف من شيمنا
لما يقارب العقدين من الزمن كنت أسمع الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وهي تحفر في الصخر وتسافر إلى أي مكان لمجرّد جمْع ما يُمكن جمْعُه لإنجاز هذا المشروع الذي سمّته "مسار اللؤلؤ"، بيتاً وراء بيت، استراحة وراء استراحة، مواقف سيارات، إضاءة، رصف شوارع، متاحف صغيرة، لم تخلُ جلسة من جلساتنا من حكاية عن الألف خطوة وخطوة للمسار الذي ظلّت تنسجه خيطاً خيطاً، كانت تحدّثنا عن البانوش الذي سيخرج من متحف البحرين من جزيرة المنامة ويرسو في قلعة بوماهر من قَبْل عشر سنوات أي من قَبْل أن يُنفّذ بسنوات طويلة، عن سيارات الغولف كارت التي ستجوب "دواعيس" المحرق من قَبْل أن تُرصَف هذه الشوارع، عن مساحات الاحتفالات التي ستّتسع للفِرق والعروض، وكُلّها صورٌ رسخت في عقولنا منذ كانت على الورق من قَبْل أن تسجّلها في قائمة التراث العالمي عام 2012، صورٌ تحقّقت كُلّها ورأيتها في عصرية من عصاري المحرق الأسبوع الماضي التي امتدت فيها رحلتنا منذ الخامسة مساء بعد صلاة المغرب من عند بيت الجلاهمة حتى التاسعة والنصف ليلاً لم نكمل فيها كل النقاط الموجودة على خارطة المسار، كلّ موقع فيه سمعنا حكايته من الشيخة مي قَبْل أن يُرسم على الورق وتبعناها بيتاً بيتاً، ومتحفاً متحفاً، وإضاءة، ورصف طرقات على مدار أكثر من عشر سنوات.
نقول هذا إحقاقاً لحقٍّ وإنصافاً لجُهدٍ لا يُمكن أن يُمحى أو يتمّ تجاهله أو إنكاره، فنحن أهل البحرين منذ خُلِقَت الدنيا معروفون بالطيب والكرم والوفاء والأصالة ولا نُنكر الفضل.
ملاحظات
لابدّ للحكومة أن تُعطي من الأهمية القصوى لهذا المشروع السياحي الضخم، إن كُنّا نفكّر بالتنافس سياحياً مع دول الجوار، والبحث من الآن عن مصادر تمويل تُبقيه مفتوحاً بفعالياته على مدى الشهور الستة في السنة.
لابدّ من استبدال ما تبقّى من مظاهر لا تنتمي للمحرق الأصيلة من عمالة أجنبية "باوزرته" ورائحة مطاعمها ولافتاتها التي كُتِبَ بعضُها بالأردية بمحلاّت ومعارض بحرينية يُديرها أصحابها.
قصص تُروى
أحد البيوت الأثرية واسمه "دار آمنة" به ثلاث فتيات بحرينيات يقدّمن مشروعاً ثقافياً ترفيهياً إحدى فعالياته اسمها "نغم وكرك" أصبحت مجلساً لنسوان الفريج يأتين بـ"دلالهن" وأطباق الحلوى ويجلسن يتسامرن ثم حين يؤذّن الظهر يعدن لبيوتهن.. من أجمل ما سمعت.
سيّدة اتصلت على أحد مسؤولي الهيئة قالت له أُحبّ أن أشكركم لأنكم منحتموني فرصةً افتقدتها لسنوات وعقود، إذ أصبح بيتي محطة استراحة لأفراد عديدة من عائلتي لم أرهم منذ سنين، في هذه الليالي أصبح بيتي موقعاً لتجمّعهم وأحياناً يتركون أبناءهم عندي ويذهبون للاستمتاع بالأجواء، لقد ملأتم حياتي حياةً.. من أروع ما سمعت.
طابور مُلتوٍ طويل يصل إلى آخر الشارع يقف منتظراً عند أحد "خبابيز" المحرق لشراء خبز حار من التّنور على جبن ومثله طوابير أخرى أمام محلاّت شويطر.. من ألذ ما أكلت.
أهل الخليج
عزيزي القارئ؛ ليتك تسمع وتقرأ انطباعات أهل الخليج، والله إنها ترفع الرأس البحريني، إذ أخيراً رأيتهم يحسدوننا على ما لم نفرّط فيه من أصالتنا وأنّنا حافظنا عليها ولم نضطر لأبناء أشباهها حتى نشهد التاريخ على عراقتنا.