منذ أيام دعتني إحدى الصديقات لحفل الإفصاح عن جنس المولود الذي نظمته أختها الصغرى، هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها دعوتي لمثل هذه المناسبات الجديدة، شعور الفضول لا أكثر جعلني أقبل الدعوة، تم تنظيم الاحتفال في إحدى الحدائق التابعة لفندق خمس نجوم، قائمة المدعوين كانت طويلة أثارت دهشتي، ما إن وصلت شعرت لوهلة وكأنني في أحد المؤتمرات الدولية، استقبلتني صديقتي بود وترحاب، وأخذت تجول بي وسط الحديقة التي تم تزيينها بشكل احترافي، سألتها مستغربة: من قام بتجهيز المكان؟ أجابت: لقد استأجرت أختي شركة مختصة في تنظيم الاحتفالات والمناسبات. صمت لفترة وأنا أعيد على نفسي كلمات صديقتي شركة مختصة في تنظيم المناسبات، لِمَ؟ تساءلت باستغراب وأنا أنظر إلى صديقتي: لِمَ أوظف شركة مختصة لتنظيم حفلة الإعلان عن جنس المولود وأدفع مبلغاً طائلاً من المال في سبيل إخبار مجموعة من الناس غير المهتمة بجنس المولود الذي أحمل؟ قالت ببساطة: لأن أختي كلما أنفقت المال جعلها ذلك تشعر بالسعادة.المال يشتري السعادة! نعم.. سمعت كثيراً هذه العبارة مؤخراً، فأغلب المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي يكررون على مسامعنا كل يوم، ويظهرون لنا بشتى الطرق أن المال هو العملة الرسمية لشراء السعادة، وأن السعادة الحقيقية هي في امتلاك أفخم وأغلى وأندر الممتلكات، والسفر عبر القارات، وإنفاق المال هنا وهناك، أظهروا لنا أن من لا يملك تلك الحقيبة أو لم يسافر هذا الصيف ما هو إلا إنسان حزين تعيس بائس، وإن القدرة المادية تعني السعادة المطلقة.كيف ونحن في هذه المرحلة من الوعي، أن نكون على هذه الدرجة من الجهل، بحيث نظن أن سعادتنا هي في الماديات من حولنا، كيف لنا أن نعبر هذا الطريق بالمقلوب، ونمشي إلى الوراء في طريق ذي اتجاه واحد للأمام؟ما هو مفهوم السعادة؟ وكيف نحصل عليها؟ ما هي الأسباب التي تزيد من شعورنا بالسعادة؟ هل حقاً نحن نستطيع أن نشتري هذا الشعور؟ كثيرة هي التساؤلات من حولنا عن مفهوم السعادة وكيف نكون سعداء، لكن السؤال الأهم؟ هل السعادة هي شيء دائم أم أنها وهم مؤقت؟الحقيقة أن المال مادة ولا تستطيع أن تشتري به إلا الماديات، أنت لا تستطيع بالمال شراء الشعور والإحساس مثل السعادة الحزن الفرح والمتعة، إن اقتناء شيء جديد قد يُسعدك رُبما لأننا بشر وأنفسنا تواقة دائماً لما هو جديد، لكنها متعة مؤقتة، رهينة اللحظة، تنتهي بمجرد خروجك من المحل التجاري، هذه اللحظة هي ليست السعادة، إنها وهم مؤقت يملأ مشاعرك بهجة لا غير، لكنك تعلم جيداً في داخلك أن شعور البهجة المؤقت هذا ليس هو السعادة.السعادة الحقيقية هي تلك التي تدوم، تملأ أجسادنا وأرواحنا لذة ومتعة غير لحظية، مستمرة معنا، السعادة هي في راحة البال والفكر والقدرة على عيش اللحظة بحب وسلام، السعادة هي بوجودنا بقرب من نحب، هي شعورنا بالأمان، هي بقدرتنا على النوم ليلاً دون منغصات الفكر والتحليل، السعادة هي صحة أجسادنا وقوتها، السعادة هي في ذلك الطريق الذي نمشيه كل يوم في سبيل تحقيق أحلامنا وذواتنا.الخلاصة: كم منا يملك في حياته، أماً تدعي له كل صباح؟ كم منا يملك قلباً محباً يحيطه رعاية وعطفاً؟ كم منا يمتلك القدرة على الجلوس على تلك الأريكة في المنزل، ويغمض عينية وشعور الراحة يملأ جسده وعقله وفكره؟ وكم وكم وكم، هذا هو شعور السعادة، إن العملة الحقيقية للسعادة والتي يجب أن نحرص على اقتنائها هي الأمان والصحة والراحة، راحة النفس والجسد والعقل والروح، هي وجود يد ترعاك وتسندك وتعينك على مطبات الحياة، هي في القرب من الله والشعور بلذة الإيمان والتسليم الكامل له وحده، لكن الماديات هي عملة نشتري بها بهجة ووهماً مؤقتاً لا غير.
الوهم المؤقت.. هل نشتري السعادة؟
هالة فردان
هالة فردان