حكى الممثل الهندي جاكي شروف في إحدى المقابلات التلفزيونية قصة عن طفولته الحزينة وفقر عائلته الشديد حينها، وكيف كان ينام هو، وكل أفراد عائلته في غرفةٍ واحدةٍ فقط، قال يحكي بألم كيف كان كُلما سعُل في الليل تسبب سُعاله في سلب النوم من أمه التي كانت دائماً تنهض لتطمئن عليه، وتتأكد أنه بخير، وأنها بدورها كُلما سعُلت يسارع أبوه أو أخوه الصغير لإحضار الماء لها، قال بحزن «كبرت وحققت النجاح وأصبح لدي الكثير من المال، فبنيت جداراً بيني وبين أمي، وأصبحت أمي تمتلك غرفة خاصة بها تنام فيها هانئة بلا صوت سُعالي المزعج طوال الليل، لكن ما حدث أنها في أحد الأيام سعُلت كثيراً وتوفاها الله ولم أعي ما حدث لها إلا في الصباح، قال بحسرة «لو أنني لم ابنِ تلك الجدران لكنت سمعتها وسارعت بأخذها إلى المستشفى، الجدران منحتنا الخصوصية، وحرمتنا أنفاسنا المشتركة» قال بقلبٍ يعتصرهُ الألم «تلك الجداران قتلت أمي».أثرت قصته بي كثيراً، واستوقفتني تلك الكلمات التي كان ينطقها بألم وعينين تملؤهما الدموع، تذكرت كم من المرات كنا نحاول أن نتسلق السلم، فنسقط على الأرض بدل أن نرتقي؛ لأننا أخطأنا عد السلالم، كم مرة ظننا أننا نبني طريقنا نحو تحقيق أحلامنا ونحن في واقع الأمر كنا نبني حواجز تمنعنا من تحقيقها، كم مرة سمعنا النداء، لكننا آثرنا الصمت ظناً منا أننا في الطريق الصحيح، في حين كنا نمشي طريقاً مظلماً مليئاً بالعثرات، نظن أننا على صواب، ونكتشف بعد حين أننا كنا على خطأ.نقف كثيراً حائرين لا نعرف هل نفتح الباب، أو نتركه مغلقاً، وعلى مقدار ما شعرنا من ألم في السابق تتغير قناعاتنا، على سبيل المثال نحن قد نتعرض للكثير من المواقف المؤلمة، ولتلافي الوقوع في الخطأ نلجأ إلى العزلة التي نظن أنها ستحمينا من أن نتعرض لنفس الشعور، لا ندرك إلا بعد فوات الأوان إن قرار العزلة كان حاجزاً لا جسراً، أو كمن يفرح بتلقيه عرض عمل في دولة بعيدة فيغادر أرضه وأهله ظناً منه أنه بذلك سيبني لهم بيتاً وسوراً وحديقة، فيعود بعد سنوات يبحث عن ذلك المنزل فلا يجد من أثره إلا الجدران، ولا يشم من رائحة الحديقة إلا التراب.وفي حياتنا اليومية تأخذنا العاطفة غالباً، وتسيطر على قراراتنا، نغلق باب العقل، ونرتكز على هفوات القلب رغبةً منا في العيش برغد وسلام وطمأنينة نتغافل عن تلك الرسائل الصغيرة، إنها في الغالب رسائل الله لنا بضرورة التأني ليس كل ما هو متاح مقبول قد يتوفر الطعام في الوقت الذي أكون فيه ممتلئاً، وقد ينتهي عندما أجوع.الخلاصة: كثيرة هي الطرقات التي مشيناها ونحن نظن فيها أننا كنا على صواب، في حين أننا كنا على خطأ، دفعتنا رغباتنا في أن نحصل سريعاً على النجاح والمال والشهرة والاستقلالية نحوها، بلا تفكير منا مشيناها لم نتيقظ ولم نسمع نداءات التحذير أغمضنا أعيننا، ولم نقرأ تلك اللافتات التي حذرتنا مراراً أننا أمام جدران ستموت خلفها أحلامنا.
الجدران التي قتلت أمي!
هالة فردان
هالة فردان