حدث في أحد الأحياء مرةً أن شاباً في مقتبل العمر كان يعمل في وظيفة بسيطة في أحد المحلات، طلب منه صاحب المحل الذي يعمل لديه أن يسلم مبلغاً مالياً ليس بالقليل لأحد الأشخاص، فما كان من الشاب إلا أن استلم رزمة المال المغلفة بكيس بلاستيكي أسود يشبه إلى حد كبير أكياس القمامة، وهَمَّ يُغلق المحل ليذهب لتسليم الأمانة، وفي أثناء انشغال الشاب في إنزال الحاجز المعدني لباب المحل أتته مكالمة هاتفية فما كان منه إلا أن ترك الرزمة على الأرض وأخذ يتحدث على الهاتف، بلا إدراك منه، رحل بعد أن أغلق المحل وابتعد تاركاً خلفه الرزمة ملقاة على الأرض هناك.بعد ساعات استدرك الشاب ما فعل وهرع ليأخذ الرزمة لكنها كانت قد اختفت، قام بالاتصال بصاحب المحل الذي أتى مسرعاً، وفور وصوله حكى له الشاب بكل صدق ما حدث، فما كان من صاحب المحل إلا أن أعاد تشغيل تسجيل كاميرات المراقبة لعله يعرف مصير الرزمة، وكانت المفاجأة فقد بينت الكاميرات أن أحد الكلاب الضالة في الطريق قد أخذ الرزمة من أمام الباب وألقاها عند حاوية القمامة في آخر الشارع بعد أن حاول نهشها بأنيابه في محاولة للبحث عن طعام.بعجل أسرع الشاب وصاحب المحل إلى حاوية القمامة وإذا بالرزمة ملقاة على الأرض، وعند فتحها وجد صاحب المحل المال كما هو لم ينقص منه شيء.القصة التي تشبه إلى حد كبير مشهد فيلم سينمائي حدثت في أحد أحياء دولة عربية، أحداث القصة الحقيقية تجعلنا نتساءل عن السبب الذي أبقى على الرزمة المليئة بالمال في أمان من أيدي المارة والسارقين في أكثر الشوارع التجارية ازدحاماً، الجواب ببساطة لأن لا أحد يسرق القمامة.لو أن الرزمة بقيت بجانب المحل لكانت عرضة لفضول المارة ربما، ولكن وجودها في كيس بلاستيكي بالقرب من حاوية القمامة جعل الناس تظنها مجرد مخلفات بلا قيمة، فلم يقم أحد بفتحها والنظر إلى محتوياتها.هذه القصة تجعلنا نفكر أكثر بسلوكياتنا، نكتفي في التفكير والتخطيط ونفتقد مهارة العرض، وعندما نحاول أن نعرض ما لدينا من أفكار نفشل في وضعها في الكيس الصحيح فيظن الناس من حولنا وكأننا أخرجنا من عقولنا مجرد مخلفات أفكار ليست لها قيمة.نحن لا نُحسن في أغلب الأحيان التعبير عن ذواتنا، بل ونفشل في إيصال ما نريد أن نقول، وفي أغلب الأوقات يُساء الظن بنا، ننظر للآخرين من حولنا ونعجب من تلك الأفكار التي يتم تسليط الأضواء عليها وتداولها وكأنها ستقلب العالم رأساً على عقب، في حين نمتلك نحن داخلنا ما هو أعظم وأهم، ولكننا لا نعرف كيف ولمن وأين نعرضه ليأخذ حقه من الانتشار والاهتمام.الخلاصة: عزيزي المبدع؛ انهض لن يقوم أحدهم بتغليف أفكارك وعرضها بشكل صحيح غيرك أنت، انتبه لمن تعرضها وأين وكيف ومتى، تذكر دائماً أن فكرك الإبداعي إذا لم تغلفه بطريقة احترافية جاذبة وتسلط عليه الضوء لينتشر في كل العالم، سيبقى كما هو المال خفياً في كيس القمامة.
لا أحد يسرق القمامة!
هالة فردان
هالة فردان